ارشيف من :آراء وتحليلات
جيل المعازل الطائفية!!

ليلى نقولا الرحباني
كان هدف اقتناص مقعد نيابي من أمام المعارضة، سببا كافيا ووجيها لقوى الموالاة لتهديد السلم الاهلي في البلاد، وشحن النفوس بالنعرات الطائفية، في سابقة خطيرة لم يسبق لها مثيل في الانتخابات النيابية في لبنان، فعادت مفردات الحرب والقتل والعنف والجريمة، والحضّ على العنف والاقتتال الى الساحة السياسية، وكأن حربًا لم تقع، وكأن تجربة المتاريس والمتاريس المضادة التي قتلت وشرّدت مئات الالاف من ابناء الوطن لم تعلّم أحدا منهم شيئًا، ولم تترك في جسد الوطن ندوبًا دائمة لا يمكن ان تزول.
استسهل اقطاب الموالاة اتهام المعارضة بالقتل، وراحوا يطلقون تهم تنفيذ الاغتيالات وتغطيتها والتستر على فاعليها على خصومهم السياسيين، منصّبين أنفسهم قضاةً باسم العدل والشعب والمحكمة والضمير، في وقت غاب العدل والقضاء عن السمع، فلا من حاسب ولا من نبّه، ولا من طلب التوقف عن هزّ أركان العدالة علنًا وعلى مرأى ومسمع العالم والشعب والمجتمع الذين يدّعون التكلم باسمه وتمثيله في البرلمان.
على ابواب الانتخابات النيابية "الديمقراطية"، وجد الناخب اللبناني نفسه أمام نفس مفردات الحرب الأهلية ونفس الخطاب التحريضي والتدميري إن لم يكن أشد واقسى وأكثر حقدًا وتحريضًا. فالخصم السياسي تحوّل "عدوًا" يجب القضاء عليه، ما أوحى ان الوطن لم يكن قادمًا على انتخابات ديمقراطية ليعبّر فيها الشعب عن خياره وارادته الحرة، بل داخل في معركة ومواجهة قاتلة مع العدو، فإما الموت او الانتصار.
وبسحر ساحر، انتهى الكلام التحريضي في الثامن من حزيران، واشرقت شمس المحبة والوئام، وتناثرت عبارات الغزل السياسي على صفحات المواقع الالكترونية، وبات سلاح المقاومة مفخرة وعزة بعد ان كان قبل أيام معدودة، "رمزًا للفتنة وخطرًا كبيرًا يؤدي الى تقويض الدولة ويحرم الوطن سيادته"، وينفذ "أوامر الولي الفقيه في السيطرة على لبنان". ولم تعد السيدات تخشى من "الشادور"، ولم يعد السنّة والمسيحيون مهددين، ولم يعد "وجه لبنان الحضاري والثقافي في خطر".... فكل هذه العبارات كانت من عدة المعركة، والوقود كان ذاك الشعب المغرر، الذي ساقوه سوقًا الى صناديق الاقتراع تحت وابل من الاتهامات والتخويف والتخوين ومصيرية الكيان والوجود المهدد.
لكن الحقيقة في مكان آخر، فقد تزول عبارات التخويف والنعرات الطائفية من الخطاب السياسي لكنها لن تزول بسهولة من النفوس ومن الثقافة السياسية ومن الحياة اليومية. من غذى هذه الاحقاد لم يدرك أن ربح مقعد نيابي هنا أو هناك لا يستأهل بناء وارتفاع متاريس نفسية طائفية، أين منها متاريس الحرب الأهلية التي ما زالت آثارها في نفوس الأجيال التي عاصرت الحرب وعايشتها. لم يكترثوا الى أننا سنكون اليوم، أمام أجيال جديدة شابّة لم تعايش حرب الشوارع والمتاريس السابقة، ولكنها عايشت حربًا ومتاريس من نوع آخر، متاريس أشد وأدهى وأعمق تجذرًا من متاريس الرمل الحربية، وسيكون المستقبل لجيل من الحاقدين والمتطرفين والمنغلقين طائفيًا، وسيرفض هؤلاء الانفتاح، بل سيقيمون معازل طائفية ومذهبية يتقوقعون فيها بعد أن شحنهم زعماؤهم بكميات من الحقد والتعصب من الصعب أن تزول.
جيل الانتخابات النيابية، أكثر تشظيًا وقساوة وحقدًا من جيل الحرب الأهلية، فقد عبأه الخطاب الطائفي والتحريضي على العنف والقتل والفتنة، ملأه حقدًا وعنصرية وكرهًا لأبناء الوطن الواحد، وجعله أداةً تحركها الغرائز والشحن الطائفي، وتجرّه الى تفجير الوطن وهدم بنيان الأمة الواحدة القائمة على غنى التنوع وحق الاختلاف. ولمن لا يصدق، فلينزل الى الجامعات ويرَ!!.
الانتقاد/ العدد 1351 ـ 18 حزيران/ يونيو 2009
كان هدف اقتناص مقعد نيابي من أمام المعارضة، سببا كافيا ووجيها لقوى الموالاة لتهديد السلم الاهلي في البلاد، وشحن النفوس بالنعرات الطائفية، في سابقة خطيرة لم يسبق لها مثيل في الانتخابات النيابية في لبنان، فعادت مفردات الحرب والقتل والعنف والجريمة، والحضّ على العنف والاقتتال الى الساحة السياسية، وكأن حربًا لم تقع، وكأن تجربة المتاريس والمتاريس المضادة التي قتلت وشرّدت مئات الالاف من ابناء الوطن لم تعلّم أحدا منهم شيئًا، ولم تترك في جسد الوطن ندوبًا دائمة لا يمكن ان تزول.
استسهل اقطاب الموالاة اتهام المعارضة بالقتل، وراحوا يطلقون تهم تنفيذ الاغتيالات وتغطيتها والتستر على فاعليها على خصومهم السياسيين، منصّبين أنفسهم قضاةً باسم العدل والشعب والمحكمة والضمير، في وقت غاب العدل والقضاء عن السمع، فلا من حاسب ولا من نبّه، ولا من طلب التوقف عن هزّ أركان العدالة علنًا وعلى مرأى ومسمع العالم والشعب والمجتمع الذين يدّعون التكلم باسمه وتمثيله في البرلمان.
على ابواب الانتخابات النيابية "الديمقراطية"، وجد الناخب اللبناني نفسه أمام نفس مفردات الحرب الأهلية ونفس الخطاب التحريضي والتدميري إن لم يكن أشد واقسى وأكثر حقدًا وتحريضًا. فالخصم السياسي تحوّل "عدوًا" يجب القضاء عليه، ما أوحى ان الوطن لم يكن قادمًا على انتخابات ديمقراطية ليعبّر فيها الشعب عن خياره وارادته الحرة، بل داخل في معركة ومواجهة قاتلة مع العدو، فإما الموت او الانتصار.
وبسحر ساحر، انتهى الكلام التحريضي في الثامن من حزيران، واشرقت شمس المحبة والوئام، وتناثرت عبارات الغزل السياسي على صفحات المواقع الالكترونية، وبات سلاح المقاومة مفخرة وعزة بعد ان كان قبل أيام معدودة، "رمزًا للفتنة وخطرًا كبيرًا يؤدي الى تقويض الدولة ويحرم الوطن سيادته"، وينفذ "أوامر الولي الفقيه في السيطرة على لبنان". ولم تعد السيدات تخشى من "الشادور"، ولم يعد السنّة والمسيحيون مهددين، ولم يعد "وجه لبنان الحضاري والثقافي في خطر".... فكل هذه العبارات كانت من عدة المعركة، والوقود كان ذاك الشعب المغرر، الذي ساقوه سوقًا الى صناديق الاقتراع تحت وابل من الاتهامات والتخويف والتخوين ومصيرية الكيان والوجود المهدد.
لكن الحقيقة في مكان آخر، فقد تزول عبارات التخويف والنعرات الطائفية من الخطاب السياسي لكنها لن تزول بسهولة من النفوس ومن الثقافة السياسية ومن الحياة اليومية. من غذى هذه الاحقاد لم يدرك أن ربح مقعد نيابي هنا أو هناك لا يستأهل بناء وارتفاع متاريس نفسية طائفية، أين منها متاريس الحرب الأهلية التي ما زالت آثارها في نفوس الأجيال التي عاصرت الحرب وعايشتها. لم يكترثوا الى أننا سنكون اليوم، أمام أجيال جديدة شابّة لم تعايش حرب الشوارع والمتاريس السابقة، ولكنها عايشت حربًا ومتاريس من نوع آخر، متاريس أشد وأدهى وأعمق تجذرًا من متاريس الرمل الحربية، وسيكون المستقبل لجيل من الحاقدين والمتطرفين والمنغلقين طائفيًا، وسيرفض هؤلاء الانفتاح، بل سيقيمون معازل طائفية ومذهبية يتقوقعون فيها بعد أن شحنهم زعماؤهم بكميات من الحقد والتعصب من الصعب أن تزول.
جيل الانتخابات النيابية، أكثر تشظيًا وقساوة وحقدًا من جيل الحرب الأهلية، فقد عبأه الخطاب الطائفي والتحريضي على العنف والقتل والفتنة، ملأه حقدًا وعنصرية وكرهًا لأبناء الوطن الواحد، وجعله أداةً تحركها الغرائز والشحن الطائفي، وتجرّه الى تفجير الوطن وهدم بنيان الأمة الواحدة القائمة على غنى التنوع وحق الاختلاف. ولمن لا يصدق، فلينزل الى الجامعات ويرَ!!.
الانتقاد/ العدد 1351 ـ 18 حزيران/ يونيو 2009