ارشيف من :أخبار عالمية
جولة بوش الوداعية في أوروبا: حصاد الفشل!

كتب عقيل الشيخ حسين
من غير المصادفة أن الرئيس الأميركي جورج بوش قد بدأ ما اعتبره الكثيرون آخر جولاته الخارجية، أي تلك التي زار خلالها ستة بلدان أوروبية حليفة، بعد أن كان قد أجرى في واشنطن ما يبدو أنه آخر لقاء له مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهودا أولمرت، الموشك بدوره على مغادرة الحكم مطارداً بلعنات خارجية وداخلية مشابهة لتلك التي تطارد بوش بفعل ما جلبه كل من الرجلين على قومه وحلفائه من هزائم وإخفاقات. فالإسرائيلي لا يريد، على ما يبدو، تذكير الأميركي بما يجب أن تكون عليه مواقفه بالنسبة للمشكلة الفلسطينية، حيث تشير جميع الدلائل على تطابق الموقفين لجهة الحرص على الاستمرار في سياسة اللامبالاة تجاه إرضاء العرب والفلسطينيين ولو عن طريق مكتسبات شكلية. وبالفعل، تبين ذلك من خلال ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليسا رايس، بعد أيام، على مسمع من قادة السلطة الفلسطينية: المستوطنات قد تلحق ضرراً بمسيرة السلام، قبل أن تصحح بقولها إن المستوطنات لا تشكل عائقاً أمام مفاوضات الحل النهائي. لكنه يريد، بالتأكيد، تذكيره بأن هامش الوقت قد بدأ يضيق على الأولوية المتخيلة بالحلم الإسرائيلي بتوجيه ضربة عسكرية أميركية إلى إيران، في وقت بدا فيه أن الأميركي المعطوب في أفغانستان، ثم في العراق، وإلى حد كبير بفعل الضغط الإسرائيلي الذي كان في طليعة أسباب الغزو، لم يعد باستطاعته أن يدرج هذه المسألة في قائمة الأولويات التي تظهر اهتمامات بوش، في الفترة الأخيرة أنها أكثر انصرافاً نحو حلم بتحقيق تقدم ما في أفغانستان، ربما لأنه يراهن على المزيد من تسخير الأطلسي في هذا السبيل.
بدا ذلك واضحاً خلال جولة بوش الأوروبية، وإن كان الرئيس الأميركي قد حرص، مع جميع من قابلهم، على الحديث عن ضرورة العمل من أجل منع إيران من امتلاك السلاح النووي بالأساليب الديبلوماسية، دون استثناء غيرها من الأساليب التي يبدو أنها لا تتجسد، كما ظهر حتى الآن، في أكثر من عقوبات اقتصادية وتهويلات بالعزل عديمة الناجعية. كما بدا ذلك واضحاً من خلال عودة بوش إلى الحديث عن شرقه الأوسط الجديد بلغة ما قبل غزو العراق: تصدير الرخاء والازدهار والسلام والديموقراطية إلى المنطقة، عملاً بتعميم قيم الغرب ومثله العليا، ولكن أيضاً بما يشكله ذلك من ضمانات لأمن أوروبا وأميركا. هنالك إذاً نوع من التسليم الأميركي بواقع الانكفاء الذي عبر عنه صمود غزة واتجاه الوضع اللبناني نحو الاستقرار وفشل الاتفاقية الأمنية مع الحكومة العراقية، وما رافق ذلك من تعزز الموقعين الإيراني والسوري. وفي ظل هذا الوضع، تبدو أفغانستان كملاذ أخير يراهن عليه بوش من أجل اختتام ولايته بشيء إيجابي من شأنه أن يخفف من واقع كونه الرئيس الأكثر فشلاً في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. والأكثر كذباً أيضاً. والأكثر إصراراً على الكذب برغم افتضاحه. فالرئيس بوش ومعاونوه كانوا، قبل أقل من شهرين، قد أحاطوا قمة الأطلسي التي انعقدت في بخارست بحشد من الأكاذيب التي أكدوا من خلالها نيتهم، على ما قاله وزير الحرب، روبرت غيتس، إرسال "الكثير" من الجنود الأميركيين إلى أفغانستان، في وقت كان قائد القوات الأميركية المشتركة، الأدميرال مالك مولان، يشكك بقدرة الجيش على الوفاء بالتزاماته لجهة إرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان، خلال العام الجاري. كان جل ما يطمح إليه بوش حينها هو أن تفي بريطانيا وفرنسا بوعود قدمت سابقاً بإرسال ألفي جندي إضافي لا يسعهم أن يفعلوا الكثير في ظل عجز ما يزيد عن ستين ألفاً من الجنود الأطلسيين عن الحد من توسع دائرة المقاومة الأفغانية. ومع كل العسر الذي أحاط بتنفيذ الوعدين البريطاني والفرنسي، لم يلبث بوش أن جاء إلى أوروبا ليضع طلب المزيد من الجهد الأطلسي العسكري، في أول أولوياته في ظل تمنع ألمانيا وأوستراليا وإيطاليا عن مواصلة بذل هذا الجهد، إضافة إلى كندا التي وصلت إلى حد التهديد بالانسحاب من أفغانستان إذا لم تبذل البلدان الأخرى جهوداً أكبر.
والواضح أن الأطلسي الذي يقول الكثيرون انه قد دخل في مرحلة التفكك قد فقد عافيته في أفغانستان وبات من الصعب عليه أن يستمر في حرب تتعمق فيها الهزيمة يوماً بعد يوم. لذا، يبدو أن بوش قد وجد أولوية أخرى عبر الإهابة بالدول المانحة لجمع المساعدات المالية للنظام الأفغاني. وقد أوكل إلى زوجته أمر استباق مؤتمر المانحين بزيارة خاطفة لكابل تأخذ شكل البشارة البوشية بالخير العميم الآتي. لكن كلام بوش أمام جميع مستقبليه عن ضرورة النصر في أفغانستان أصبح كلاماً عقيماً على وقع أنباء الخطأ الذي ارتكبته القوات الأميركية، بفعل فقدان الأعصاب، عندما قصفت تجمعاً قتلت فيه عشرات الجنود الباكستانيين المولجة إليهم مهمة معاونة الأميركيين في محاربة المقاومة الأفغانية. وكذلك على وقع الأنباء عن التحرير القسري لمئات السجناء في أحد سجون قندهار. أمر مثير للأسى، شأنه شأن حصول بوش على موافقة ساركوزي له في خطابه التحريضي ضد سوريا، في وقت كان مبعوثو هذا الأخير يتوصلون إلى اتفاق تام في وجهات النظر مع رئيسها، بشار الأسد، الذي وجهت إليه دعوة غير عادية لتشريف فرنسا بالمشاركة في الاحتفالات بذكرى أبرز لحظات تاريخها، والتي ستقام في 14 تموز/ يوليو المقبل.
من غير المصادفة أن الرئيس الأميركي جورج بوش قد بدأ ما اعتبره الكثيرون آخر جولاته الخارجية، أي تلك التي زار خلالها ستة بلدان أوروبية حليفة، بعد أن كان قد أجرى في واشنطن ما يبدو أنه آخر لقاء له مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهودا أولمرت، الموشك بدوره على مغادرة الحكم مطارداً بلعنات خارجية وداخلية مشابهة لتلك التي تطارد بوش بفعل ما جلبه كل من الرجلين على قومه وحلفائه من هزائم وإخفاقات. فالإسرائيلي لا يريد، على ما يبدو، تذكير الأميركي بما يجب أن تكون عليه مواقفه بالنسبة للمشكلة الفلسطينية، حيث تشير جميع الدلائل على تطابق الموقفين لجهة الحرص على الاستمرار في سياسة اللامبالاة تجاه إرضاء العرب والفلسطينيين ولو عن طريق مكتسبات شكلية. وبالفعل، تبين ذلك من خلال ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليسا رايس، بعد أيام، على مسمع من قادة السلطة الفلسطينية: المستوطنات قد تلحق ضرراً بمسيرة السلام، قبل أن تصحح بقولها إن المستوطنات لا تشكل عائقاً أمام مفاوضات الحل النهائي. لكنه يريد، بالتأكيد، تذكيره بأن هامش الوقت قد بدأ يضيق على الأولوية المتخيلة بالحلم الإسرائيلي بتوجيه ضربة عسكرية أميركية إلى إيران، في وقت بدا فيه أن الأميركي المعطوب في أفغانستان، ثم في العراق، وإلى حد كبير بفعل الضغط الإسرائيلي الذي كان في طليعة أسباب الغزو، لم يعد باستطاعته أن يدرج هذه المسألة في قائمة الأولويات التي تظهر اهتمامات بوش، في الفترة الأخيرة أنها أكثر انصرافاً نحو حلم بتحقيق تقدم ما في أفغانستان، ربما لأنه يراهن على المزيد من تسخير الأطلسي في هذا السبيل.
بدا ذلك واضحاً خلال جولة بوش الأوروبية، وإن كان الرئيس الأميركي قد حرص، مع جميع من قابلهم، على الحديث عن ضرورة العمل من أجل منع إيران من امتلاك السلاح النووي بالأساليب الديبلوماسية، دون استثناء غيرها من الأساليب التي يبدو أنها لا تتجسد، كما ظهر حتى الآن، في أكثر من عقوبات اقتصادية وتهويلات بالعزل عديمة الناجعية. كما بدا ذلك واضحاً من خلال عودة بوش إلى الحديث عن شرقه الأوسط الجديد بلغة ما قبل غزو العراق: تصدير الرخاء والازدهار والسلام والديموقراطية إلى المنطقة، عملاً بتعميم قيم الغرب ومثله العليا، ولكن أيضاً بما يشكله ذلك من ضمانات لأمن أوروبا وأميركا. هنالك إذاً نوع من التسليم الأميركي بواقع الانكفاء الذي عبر عنه صمود غزة واتجاه الوضع اللبناني نحو الاستقرار وفشل الاتفاقية الأمنية مع الحكومة العراقية، وما رافق ذلك من تعزز الموقعين الإيراني والسوري. وفي ظل هذا الوضع، تبدو أفغانستان كملاذ أخير يراهن عليه بوش من أجل اختتام ولايته بشيء إيجابي من شأنه أن يخفف من واقع كونه الرئيس الأكثر فشلاً في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. والأكثر كذباً أيضاً. والأكثر إصراراً على الكذب برغم افتضاحه. فالرئيس بوش ومعاونوه كانوا، قبل أقل من شهرين، قد أحاطوا قمة الأطلسي التي انعقدت في بخارست بحشد من الأكاذيب التي أكدوا من خلالها نيتهم، على ما قاله وزير الحرب، روبرت غيتس، إرسال "الكثير" من الجنود الأميركيين إلى أفغانستان، في وقت كان قائد القوات الأميركية المشتركة، الأدميرال مالك مولان، يشكك بقدرة الجيش على الوفاء بالتزاماته لجهة إرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان، خلال العام الجاري. كان جل ما يطمح إليه بوش حينها هو أن تفي بريطانيا وفرنسا بوعود قدمت سابقاً بإرسال ألفي جندي إضافي لا يسعهم أن يفعلوا الكثير في ظل عجز ما يزيد عن ستين ألفاً من الجنود الأطلسيين عن الحد من توسع دائرة المقاومة الأفغانية. ومع كل العسر الذي أحاط بتنفيذ الوعدين البريطاني والفرنسي، لم يلبث بوش أن جاء إلى أوروبا ليضع طلب المزيد من الجهد الأطلسي العسكري، في أول أولوياته في ظل تمنع ألمانيا وأوستراليا وإيطاليا عن مواصلة بذل هذا الجهد، إضافة إلى كندا التي وصلت إلى حد التهديد بالانسحاب من أفغانستان إذا لم تبذل البلدان الأخرى جهوداً أكبر.
والواضح أن الأطلسي الذي يقول الكثيرون انه قد دخل في مرحلة التفكك قد فقد عافيته في أفغانستان وبات من الصعب عليه أن يستمر في حرب تتعمق فيها الهزيمة يوماً بعد يوم. لذا، يبدو أن بوش قد وجد أولوية أخرى عبر الإهابة بالدول المانحة لجمع المساعدات المالية للنظام الأفغاني. وقد أوكل إلى زوجته أمر استباق مؤتمر المانحين بزيارة خاطفة لكابل تأخذ شكل البشارة البوشية بالخير العميم الآتي. لكن كلام بوش أمام جميع مستقبليه عن ضرورة النصر في أفغانستان أصبح كلاماً عقيماً على وقع أنباء الخطأ الذي ارتكبته القوات الأميركية، بفعل فقدان الأعصاب، عندما قصفت تجمعاً قتلت فيه عشرات الجنود الباكستانيين المولجة إليهم مهمة معاونة الأميركيين في محاربة المقاومة الأفغانية. وكذلك على وقع الأنباء عن التحرير القسري لمئات السجناء في أحد سجون قندهار. أمر مثير للأسى، شأنه شأن حصول بوش على موافقة ساركوزي له في خطابه التحريضي ضد سوريا، في وقت كان مبعوثو هذا الأخير يتوصلون إلى اتفاق تام في وجهات النظر مع رئيسها، بشار الأسد، الذي وجهت إليه دعوة غير عادية لتشريف فرنسا بالمشاركة في الاحتفالات بذكرى أبرز لحظات تاريخها، والتي ستقام في 14 تموز/ يوليو المقبل.