ارشيف من :آراء وتحليلات

نقطة حبر: معركة القيم

نقطة حبر: معركة القيم
حسن نعيم   
يشغل موضوع القيم مساحة كبيرة في الدراسات الاجتماعية والثقافية والدينية، ولا يقل أهمية المكان الرفيع الذي تتمتع فيه المثل والقيم في الأديان والعلوم والفنون والفلسفة وسواها في حياتنا العامة وسلوكنا اليومي.

هذا التعدد في الحقول والمجالات التي ينبغي النظر من خلالها الى موضوعة القيم إنما يؤكد على مدى تعقدها وفعاليتها في التأثير على قرارات الفرد والجماعة في آن معاً. فالقيم والمثل العليا في أي مجتمع من المجتمعات تقترح على الانسان غاياته ومقاصده، وترسم السبل الآيلة الى الوصول إليها وهو ـ الفرد أو المجتمع ـ في أكثر الأحيان يفتتن بما تقدمه له بيئته، سواء أكانت صغيرة بحجم مجتمع القبيلة، أم كانت بيئة كونية كما في زمن العولمة.

لماذا كان للقيم والمثل العليا كل هذا الأثر في حياة الفرد والجماعة؟

لأنها ببساطة تشكل الرافعة التي تدفع الفرد الى الأعلى، والتي تهبه الحافز كي يعلو فوق الدرجة التي يقف عليها في سلّم الهرم الاجتماعي. ولكن أليست هذه المثل والقيم نتاج تجربة وعقل الانسان أو نتيجة تفاعلهما معاً؟   

 تأتي القيم من واقع غير مادي. إنها تنشأ في الفضاء الروحي الذي يغلف وجودنا، وهي ـ أي القيم ـ كما يقول "جود"، عناصر الحياة الفعلية المستقاة من وجودنا. إنها الغايات التي هي خير في ذاتها، وتتمثل في أصول أربعة: السعادة والخير والحق والجمال. والقيم الكلية عند "جود" تمثل الوسيط الذي يتجلى به الله، وبذلك يكون العالم الحقيقي مجموع القيم التي هي بمنزلة الوحدة التي تعتبر أساس الكون بأسره.

اليوم تدخل المثل والقيم مع البشرية في عصر النمط التكنولوجي المهيمن، الذي يأخذنا الى عالم أثيري يتكون من الصور والإشارات والنصوص المرئية والمقروءة على الشاشات الالكترونية الدائمة البث، بالاضافة الى سيل الرسائل والإشارات التي تجوب أرجاء الأرض طوال الوقت حاملة معها الأفكار المناوئة للأصول الأربعة: السعادة والخير والحق والجمال.

على هذه الأصول ـ القيم أن تحسم خياراتها، فإما أن تشهر في وجه التكنولوجيا سيف المقاطعة، وإما أن تُسحق أمامها، وإما أن تكون قويةً بما يكفي لتوظفها في خدمة مراميها وأهدافها. إنها معركة.

الانتقاد/ العدد 1351 ـ 18 حزيران/ يونيو 2009
2009-06-18