ارشيف من :أخبار عالمية

وفد أوروبي يزور قطاع غزة ويكتشف معاناة السكان

وفد أوروبي يزور قطاع غزة ويكتشف معاناة السكان

لم توفق أوروبا، حكومات ووسائل إعلام في إبداء موقف مشرف ومحايد وشجاع خلال العدوان الإسرائيلي الغاشم علي قطاع غزة قبل نصف عام. فقد صدم سكان غزة قبل أي طرف آخر لصمت الاتحاد الأوروبي علي جولة جديدة من حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل علي مراحل ضد الشعب الفلسطيني منذ حرب الـ 48 مرورا بحرب الـ 67 وحرب 82 ثم سلسلة من الحروب (الصغيرة) والتركيز أخيرا علي قطاع غزة.


ويمكن للمراقب العربي في الساحة الأوروبية العودة إلي سببين:

أولا أن الحكومات الأوروبية تتجنب تبني أي موقف شجاع تجاه النزاع وإدانة إسرائيل بنفس المستوي الذي تدين به حماس عندما تعلن مسؤوليتها عن عملية عسكرية، حتي أن بعض الحكومات الأوروبية اعتادت علي عدم انتقاد إسرائيل.


ثانيا :أن هذا الموقف السياسي الذي يعكس ضعف السياسة الخارجية الأوروبية تجاه نزاع الشرق الأوسط وفشل الأوروبيين في الاتفاق علي سياسة خارجية مشتركة تمهد لقيام (الولايات المتحدة الأوروبية) تؤثر علي وسائل الإعلام الأوروبية التي ما زالت تخضع لهيمنة اللوبي اليهودي أو المؤيد لإسرائيل إضافة إلي جيش من الصحفيين الذين يتعلمون خلال دراسة الصحافة الوقوف إلي جانب إسرائيل وتتبني دور الإعلام التي يعملون فيها لاحقا (تقليديا) موقفا منحازا يدافعون عنه في كل مناسبة.


ولكن هل بوسع إسرائيل خاصة في ظل حكومة يمينية متطرفة أن تحظي بقبول عند الشعوب الغربية وهي تمارس سياسة العنف والاضطهاد والإبادة بحق أصحاب الأرض الشرعيين. يوضح التقرير التالي أن الدعاية الإسرائيلية لها حدود.


فقد كشف تقرير نشر يوم الاثنين علي الموقع الإلكتروني للقناة الأولي للتلفزيون الألماني ARD أرسله مراسلها في مدينة ستراسبورغ الفرنسية مقر البرلمان الأوروبي أن سكان قطاع غزة يشكون من أوضاع حياتية صعبة وذلك بعد انقضاء خمسة أشهر علي نهاية العدوان الوحشي الذي شنه الجيش الإسرائيلي علي القطاع بحجة كسر شوكة حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وتسبب بمقتل ما يزيد علي 1400 فلسطيني بينهم 400 طفل وغالبيتهم من المواطنين الأبرياء وسط صمت دولي بلا مثيل.


وقال التقرير أن دراسة أجريت مؤخرا من قبل نواب وخبراء في منظمات دولية استخلصت نتيجة تدحض مزاعم إسرائيل بأن الفلسطينيين في قطاع غزة زادوا تطرفا بعد الحرب وجاء فيه: علي الرغم من الأوضاع المأساوية التي زادت سوءا بسبب الحرب التي شنها الجيش الإسرائيلي فإن الدراسة كانت ضد كافة التوقعات، يريد الغالبية تسوية سلمية للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي علي مبدأ الأرض مقابل السلام ويستغربون قبل كل شيء كيف أن الغرب الذي سعي من أجل تنفيذ انتخابات برلمانية في مطلع عام 2006 يتنكر للطرف الذي فاز بهذه الانتخابات التي وصفها المراقبون بأنها كانت الأكثر نزاهة في تاريخ المنطقة. وأسفرت الانتخابات البرلمانية في ذلك الوقت عن فوز ساحق لحركة حماس لم يحصل علي اعتراف دولي بل اتفقت دول الغرب علي عزل حماس ووقف مساعداتها إلي المناطق التي تسيطر عليها.

واستشهد مراسل القناة الأولي للتلفزيون الألماني بأقوال صدرت عن نائب إسرائيلي يدعي أرييه إلداد يكشف زيف المعلومات والآراء التي تروجها إسرائيل عن الفلسطينيين ونقل المراسل عن عضو الكنيسيت الذي ينتمي إلي اليمين المتطرف قوله: علي أوروبا أن تدرك ما إذا كانت الديمقراطية يجب أن تنتشر هنا (في غزة) أم لا، وإذا تريد ذلك فعلا يتعين عليها قبول نتائج الانتخابات مهما كانت ثم تابع قوله: لقد انتخب الفلسطينيون هنا حماس، وبذلك عبدوا الطريق أمام حكومة تقودها حماس الإسلامية، وهذه من وجهة نظرنا حرب دينية!.


وكان مارتن دورم مراسل التلفزيون الألماني ضمن مجموعة من الأوروبيين زاروا غزة قبل أيام وجيزة لتقصي الحقائق وكتب في تقريره يقول: عند وصولنا إلي غزة شاهدنا مجموعة من الرجال وقد افترشوا الأرض وجلسوا أمام ركام منازلهم التي دمرها الجيش الإسرائيلي وقاموا بتحيتنا بعدما تعرفوا علي أننا زوار أتينا من أوروبا وبادرنا رجل مسن قال: لقد تدمرت حياتنا وفقدنا كل شيء في هذه الحرب: أولادنا، بيوتنا، أشغالنا. وتابع قوله: لا أحد يساعدنا، لا العرب ولا أوروبا، لقد تخلي العالم عنا.


ما إن سمع أعضاء الوفد هذا الكلام حتي استغربوا. الأوروبيون بالذات ينبغي عليهم الرد علي أقوال الرجل الطاعن في السن، فالدعاية السائدة في أوروبا أن الاتحاد الأوروبي الذي كان موقفه مشينا في الحرب علي قطاع غزة وفشل في اتفاق دوله البالغ عددها 27 دولة علي موقف مشترك، وعد بتقديم مساعدات مالية لتمويل حملة عودة تعمير القطاع حجمها 436 مليون دولار، منها 150 مليون دولار من ألمانيا الاتحادية. لكن هؤلاء المساكين الذين فقدوا كل شيء نتيجة العدوان الإسرائيلي لن يحصلوا علي شيء من هذه المساعدات لسبب بسيط كشفه التقرير وهو أن أموال العون لن تصل إلي غزة.


وقالت كارين أبو زيد التي تدير مكتب غوث اللاجئين التابع لهيئة الأمم المتحدة (أونروا) في مدينة غزة أن استمرار الحصار الذي تفرضه إسرائيل علي القطاع منذ زمن بعيد ولم ترفعه بعد نهاية الحرب يمنع وصول مواد أساسية لتنفيذ مشاريع عودة التعمير. مضت تقول: نحن بحاجة إلي إسمنت وخشب وحديد لكن الحدود مغلقة رغم الاحتجاجات الدولية والنتيجة أن أوضاع سكان غزة أصبحت مزرية للغاية.

وأكدت هذه المسؤولة الأممية أنه بعد نصف عام علي الحرب لم يتغير شيء في غزة نحو الأفضل وما زالت المنطقة بؤرة الفقر المدقع في الشرق الأوسط والآن أصبحت عبارة عن سجن كبير دمرت إسرائيل مساكنه ولا زالت تعمل في مواصلة عزل القطاع عن العالم.

ولاحظ مراسل التلفزيون الألماني أن الشيء الحديث الوحيد هو نقطة المراقبة (إيريز) المجهزة بأحدث آلات المراقبة والأبواب الآلية وقال المراسل: عند وصولنا نقطة الحدود المذكورة أطلقت المدفعية الإسرائيلية عدة قذائف علي غزة.


حاول الإسرائيليون غسل دماغ أعضاء الوفد الأوروبي وتم دعوتهم قبل التوجه إلي غزة إلي سلسلة من اللقاءات مع مسؤولين إسرائيليين وخبراء في معاهد سياسية وأمنية وجاء في التقرير: أثار الوفد الأوروبي خلال اجتماع مع خبراء بوزارة الدفاع الإسرائيلية في القدس موضوع استمرار الحصار الذي تستمر إسرائيل في فرضه علي غزة ورفضها فتح المعابر إليه والتسبب بفرض حياة صعبة علي أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني.


وقال أودد إيران من معهد الدراسات الأمنية ردا علي هذا السؤال: سوف تفهمون سبب استمرار الحصار عندما تشاهدون الخنادق التي حفرتها حماس تحت الأرض وقد أقامتها حماس قبل الحرب لتهريب أسلحة لاستخدامها ضد إسرائيل.

لكن أعضاء الوفد الأوروبي نبهوا الإسرائيليين أنه من الخطأ ممارسة العقاب الجماعي وعندها سمعوا من أحد الخبراء المشاركين في النقاش أن هناك مشكلة تعترض عودة التعمير طالما لا يسمح الإسرائيليون دخول مواد البناء إلي غزة.


لا تكل كارين أبو زيد عن المطالبة بضغط دولي كي ترفع إسرائيل الحصار وأكدت أن كل شيء يصل إلي غزة يأتي عبر الخنادق التي نجح الفلسطينيون في حفرها بعد الحرب وقالت: لا شيء ينقص حماس فإذا قررت بناء خندق فإنها تحصل في وقت قصير علي مواد الإسمنت لكننا كمؤسسة إغاثة أممية لا نستطيع الحصول علي مواد البناء لعودة بناء الدمار الذي ألحقه الجيش الإسرائيلي بالمدارس والمستشفيات وشبكات الطاقة والمياه فالحصار يمنع كل شيء حتي لو وصلتنا أموال مساعدة من الاتحاد الأوروبي فإنه ليس بوسعنا التصرف بها وهذا كما قالت أبو زيد وضع مخز وعار علي العالم السكوت عليه. وأردفت كارين أبو زيد قولها: بوسع الأمم المتحدة ضمان استخدام أموال المساعدات الأوروبية لكن الحصار الإسرائيلي يمنع كل مساعدة عن سكان قطاع غزة.


والسبب وراء استمرار فرض الحصار وعزل قطاع غزة هو استمرار تردي الأوضاع الإنسانية في القطاع وانتظار انهيار حكومة حماس وحتي يحصل ما هو مستحيل لا تذعن إسرائيل للاحتجاجات الدولية فحسب بل لا تهتم كون عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء الذين دمرت مساكنهم يعيشون اليوم في خيم أقاموها علي ركام مساكنهم. وقال أحد سكان مخيم المدينة التي فيها ثمانية مخيمات لأعضاء الوفد الأوروبي: اسمعوا، أريد أن أقول لكم شيئا، أنتم الذين أتيتم من أوروبا أرسلتم إلينا أموالا استخدمناها في شق شوارع وبناء ميناء جوي وآخر بحري.


ثم مضي يقول: هذا غباء منكم أن ترسلوا المال الكثير إلينا. فقد قام الإسرائيليون بطائراتهم الحربية ودمروا كل المشاريع التي تمت بتمويل أوروبي وأحرقت أموالكم. ثم نصح الرجل أعضاء الوفد الأوروبي: احتفظوا بأموالكم لأنفسكم، ولا ترسلوها لأنها ستضيع هنا هباء.

وكالات

2009-06-18