ارشيف من :آراء وتحليلات
عرب التسوية بعد شروط نتنياهو: الاستسلام أم المقاومة؟

كتب مصطفى الحاج علي
ليس خطاب نتنياهو أمراً عابراً لا في دلالاته ولا في توقيته، وربما هنا الأهمية القصوى. ذلك أن مضمون الخطاب بمجمل اشتراطاته التي أقل ما يقال فيها انها تفرغ مضمون الدولة الفلسطينية من أي معنى، وتحيلها الى مجرد اسمٍ ليس له في ما وراءه أي مسمى، وبالتالي لا يشير الى شيء، وكأن القضية الفلسطينية بكل ثقلها وحمولتها التاريخية والإنسانية والأيديولوجية والسياسية هي مجرد مشكلة لغوية يمكن معالجتها بأساليب البلاغة والتعابير أو بقواميس مفردات اللغة، إن هذا المضمون في الحقيقة ليس مفاجئاً إلا لأولئك اللاهثين وراء سرابات الحلول تأتيهم من أي مكان من شدة ظمئهم للتخلص من عبء القضية الفلسطينية. إن ما جاء به نتنياهو هو تماماً ما يفكر به الصهاينة، وإن حاول كل منهم إخراجه بعباراته وحيله الخاصة.
أما أهمية التوقيت فمختلفة لاعتبارات عدة، أبرزها ان هذا الخطاب يأتي في اللحظة السياسية التي يحتدم فيها الصراع في المنطقة بين خيار الاستسلام وخيار المقاومة، الأمر الذي يستدعي مراجعة دقيقة من قبل أنصار الخيار الأول وقبل فوات الأوان، فخطاب نتنياهو يفترض بل يجب أن يشكل صدمة وعي لأنصار هذا الخيار، خصوصاً أن هؤلاء بحجة أن لا خيار الا خيار التسوية، ذهبوا بعيداً ليس في رهاناتهم على الإسرائيلي فحسب، وإنما على قلب كل مفاهيم الصراع ووجهته في المنطقة، خصوصاً على صعيد عكسها نحو كل بلد من بلدان المنطقة، انطلاقاً من الاستنجاد بقواميس الصراعات الطائفية والمذهبية والقومية، وتمهيد الطريق ـ طريق الوعي ـ نحو القبول بالتحالف مع الصهاينة في مواجهة دولة نهضت على الإسلام، هي ايران.
لقد آن الأوان لكسر مسار التسوية على صعيد الوعي والواقع معاً، هذا المسار الذي اتخذ لنفسه خطوات ومنطق خاص وفق التالي:
أولاً: نبني نظرية المرحلية على أن يبدأ بما هو أدنى وصولاً الى ما هو أعلى. أي لا بأس بالقبول بما يمكن الحصول عليه، ومن ثم نذهب الى ما هو أبعد من ذلك، وكأن العدو ساذج، وهو جاهز لتقديم الخدمات لهؤلاء.
ثانياً: ربط التخلف الداخلي وتحميل مسؤوليته للحروب ولشعار أولوية الصراع مع العدو الإسرائيلي، برغم أنه بإمعان دقيق في هذه المقولة تظهر استحالة التفكيك بين معركة الاستعمار في المنطقة وبناء شروط التحرير والسيادة الداخلية بكل مقوماتها وأبعادها.
ثالثاً: اتفاقية كامب ـ ديفيد التي سُوّقت بوعود تبدأ ولا تنتهي بالرخاء الاقتصادي والرفاه الاجتماعي.. إلخ، واليوم بنظرة سريعة الى ما آلت اليه الأوضاع في مصر على مختلف الصعد، يُلحظ كم تراجع وضعها بعد المعاهدة. بل أين هي مصر اليوم موقعاً ودوراً؟!
رابعاً: اتفاقيات أوسلو ومن قبلها اعلان ما سُمي بالدولة الفلسطينية في الجزائر عام 1988، التي أدخلت القضية الفلسطينية في متاهة أوصلتها الى الحال التي نحن عليها.
خامساً: نظرية "الكادوك" التي اعتبرت أن ميثاق منظمة التحرير بات من الماضي.
سادساً: مجمل المبادرات العربية والاتفاقيات والمعاهدات وصولاً الى "مبادرة السلام العربية" عام 2002.
إن مسار التسوية لم يجلب لأهلها إلا:
أولاً: شكلت غطاءً لمضاعفة الاستيطان وتهويد القدس، والحفريات تحت المسجد الأقصى، وبناء الجدار العازل، وتقطيع أوصال الضفة والفصل بين الضفة والقطاع، ووضع اليد على المياه الجوفية، وعلى الأجواء والبحر، وإيجاد كل الظروف الدافعة لتهجير الفلسطينيين من قراهم عبر حرمانهم من المياه الضرورية للزراعة، ومن خلال قطع الأشجار وحرق المزروعات.. إلخ.
واليوم يبشر نتنياهو بالدولة اليهودية الصافية التي هي الاسم الرمزي لتهجير فلسطينيي 1948.
ثانياً: وضع الفلسطينيين بعضهم في مواجهة بعض، بدلاً من وحدتهم في مواجهة العدو الواحد، حيث أنشأت السلطة شبكات منافعها الخاصة والمرتبطة مباشرة بالإسرائيلي والأميركي.
والأدهى من ذلك تحويل قسم رئيسي من الفلسطينيين الى خط دفاع أول عن الكيان الإسرائيلي في وجه المقاومة الفلسطينية، من خلال ربطه بمعاهدات واتفاقات أمنية.
ثالثاً: فتح الطريق أمام التخلي عن حق العودة الذي بات مطروحاً للمساومة تحت شعار "ايجاد حل عادل للاجئين". وفي كلمة "عادل" هنا مراوغة، لأن المطروح على البحث جدياً هو توطين هؤلاء حيث هم، أو التعويض عليهم بأشكال مختلفة.
رابعاً: التخلي عن القدس عبر القبول إما بمبدأ الاقتسام أو بمبدأ الشراكة.
خامساً: تفكيك النظام الإقليمي العربي وإضعافه الى الحد الأقصى، وفتح الطريق أمام مرحلة جديدة من الاستعمار الأميركي المباشر الذي شهدنا أحد وجوهه البشعة في احتلال العراق.
بعد هذا كله ألا يحتاج نظام التسوية العربي الرسمي الى مراجعة حسابه، والخروج بالتالي من أوهامه؟ وبدلاً من ان يتحول الى عصى غليظة في وجه حركات المقاومة وشعوبه، يتجه نحو المسار الذي يجعله يتماهى مع الوضعية التاريخية الصحيحة، ومع نبض الشعوب، وجمع الطاقات والامكانات والموارد في مواجهة العدو الإسرائيلي.
إن خطاب نتنياهو لا يضع أمام شعوب المنطقة ودولها من خيارات إلا أحد اثنين: إما القبول بشروطه، وبالتالي الاستسلام له. وإما رفضها والذهاب الى المواجهة. فأي خيار ستسلك؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي يطرحه خطاب نتنياهو؟ والجواب عنه يمر حتماً بمراجعة شاملة ودقيقة للحسابات والرهانات، ولا يكفي هنا مجرد الرفض أو التنديد اللفظي أو التحذير، فالمرحلة المقبلة أخطر من ذلك بكثير.
الانتقاد/ العدد 1351 ـ 19 حزيران/ يونيو 2009
ليس خطاب نتنياهو أمراً عابراً لا في دلالاته ولا في توقيته، وربما هنا الأهمية القصوى. ذلك أن مضمون الخطاب بمجمل اشتراطاته التي أقل ما يقال فيها انها تفرغ مضمون الدولة الفلسطينية من أي معنى، وتحيلها الى مجرد اسمٍ ليس له في ما وراءه أي مسمى، وبالتالي لا يشير الى شيء، وكأن القضية الفلسطينية بكل ثقلها وحمولتها التاريخية والإنسانية والأيديولوجية والسياسية هي مجرد مشكلة لغوية يمكن معالجتها بأساليب البلاغة والتعابير أو بقواميس مفردات اللغة، إن هذا المضمون في الحقيقة ليس مفاجئاً إلا لأولئك اللاهثين وراء سرابات الحلول تأتيهم من أي مكان من شدة ظمئهم للتخلص من عبء القضية الفلسطينية. إن ما جاء به نتنياهو هو تماماً ما يفكر به الصهاينة، وإن حاول كل منهم إخراجه بعباراته وحيله الخاصة.
أما أهمية التوقيت فمختلفة لاعتبارات عدة، أبرزها ان هذا الخطاب يأتي في اللحظة السياسية التي يحتدم فيها الصراع في المنطقة بين خيار الاستسلام وخيار المقاومة، الأمر الذي يستدعي مراجعة دقيقة من قبل أنصار الخيار الأول وقبل فوات الأوان، فخطاب نتنياهو يفترض بل يجب أن يشكل صدمة وعي لأنصار هذا الخيار، خصوصاً أن هؤلاء بحجة أن لا خيار الا خيار التسوية، ذهبوا بعيداً ليس في رهاناتهم على الإسرائيلي فحسب، وإنما على قلب كل مفاهيم الصراع ووجهته في المنطقة، خصوصاً على صعيد عكسها نحو كل بلد من بلدان المنطقة، انطلاقاً من الاستنجاد بقواميس الصراعات الطائفية والمذهبية والقومية، وتمهيد الطريق ـ طريق الوعي ـ نحو القبول بالتحالف مع الصهاينة في مواجهة دولة نهضت على الإسلام، هي ايران.
لقد آن الأوان لكسر مسار التسوية على صعيد الوعي والواقع معاً، هذا المسار الذي اتخذ لنفسه خطوات ومنطق خاص وفق التالي:
أولاً: نبني نظرية المرحلية على أن يبدأ بما هو أدنى وصولاً الى ما هو أعلى. أي لا بأس بالقبول بما يمكن الحصول عليه، ومن ثم نذهب الى ما هو أبعد من ذلك، وكأن العدو ساذج، وهو جاهز لتقديم الخدمات لهؤلاء.
ثانياً: ربط التخلف الداخلي وتحميل مسؤوليته للحروب ولشعار أولوية الصراع مع العدو الإسرائيلي، برغم أنه بإمعان دقيق في هذه المقولة تظهر استحالة التفكيك بين معركة الاستعمار في المنطقة وبناء شروط التحرير والسيادة الداخلية بكل مقوماتها وأبعادها.
ثالثاً: اتفاقية كامب ـ ديفيد التي سُوّقت بوعود تبدأ ولا تنتهي بالرخاء الاقتصادي والرفاه الاجتماعي.. إلخ، واليوم بنظرة سريعة الى ما آلت اليه الأوضاع في مصر على مختلف الصعد، يُلحظ كم تراجع وضعها بعد المعاهدة. بل أين هي مصر اليوم موقعاً ودوراً؟!
رابعاً: اتفاقيات أوسلو ومن قبلها اعلان ما سُمي بالدولة الفلسطينية في الجزائر عام 1988، التي أدخلت القضية الفلسطينية في متاهة أوصلتها الى الحال التي نحن عليها.
خامساً: نظرية "الكادوك" التي اعتبرت أن ميثاق منظمة التحرير بات من الماضي.
سادساً: مجمل المبادرات العربية والاتفاقيات والمعاهدات وصولاً الى "مبادرة السلام العربية" عام 2002.
إن مسار التسوية لم يجلب لأهلها إلا:
أولاً: شكلت غطاءً لمضاعفة الاستيطان وتهويد القدس، والحفريات تحت المسجد الأقصى، وبناء الجدار العازل، وتقطيع أوصال الضفة والفصل بين الضفة والقطاع، ووضع اليد على المياه الجوفية، وعلى الأجواء والبحر، وإيجاد كل الظروف الدافعة لتهجير الفلسطينيين من قراهم عبر حرمانهم من المياه الضرورية للزراعة، ومن خلال قطع الأشجار وحرق المزروعات.. إلخ.
واليوم يبشر نتنياهو بالدولة اليهودية الصافية التي هي الاسم الرمزي لتهجير فلسطينيي 1948.
ثانياً: وضع الفلسطينيين بعضهم في مواجهة بعض، بدلاً من وحدتهم في مواجهة العدو الواحد، حيث أنشأت السلطة شبكات منافعها الخاصة والمرتبطة مباشرة بالإسرائيلي والأميركي.
والأدهى من ذلك تحويل قسم رئيسي من الفلسطينيين الى خط دفاع أول عن الكيان الإسرائيلي في وجه المقاومة الفلسطينية، من خلال ربطه بمعاهدات واتفاقات أمنية.
ثالثاً: فتح الطريق أمام التخلي عن حق العودة الذي بات مطروحاً للمساومة تحت شعار "ايجاد حل عادل للاجئين". وفي كلمة "عادل" هنا مراوغة، لأن المطروح على البحث جدياً هو توطين هؤلاء حيث هم، أو التعويض عليهم بأشكال مختلفة.
رابعاً: التخلي عن القدس عبر القبول إما بمبدأ الاقتسام أو بمبدأ الشراكة.
خامساً: تفكيك النظام الإقليمي العربي وإضعافه الى الحد الأقصى، وفتح الطريق أمام مرحلة جديدة من الاستعمار الأميركي المباشر الذي شهدنا أحد وجوهه البشعة في احتلال العراق.
بعد هذا كله ألا يحتاج نظام التسوية العربي الرسمي الى مراجعة حسابه، والخروج بالتالي من أوهامه؟ وبدلاً من ان يتحول الى عصى غليظة في وجه حركات المقاومة وشعوبه، يتجه نحو المسار الذي يجعله يتماهى مع الوضعية التاريخية الصحيحة، ومع نبض الشعوب، وجمع الطاقات والامكانات والموارد في مواجهة العدو الإسرائيلي.
إن خطاب نتنياهو لا يضع أمام شعوب المنطقة ودولها من خيارات إلا أحد اثنين: إما القبول بشروطه، وبالتالي الاستسلام له. وإما رفضها والذهاب الى المواجهة. فأي خيار ستسلك؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي يطرحه خطاب نتنياهو؟ والجواب عنه يمر حتماً بمراجعة شاملة ودقيقة للحسابات والرهانات، ولا يكفي هنا مجرد الرفض أو التنديد اللفظي أو التحذير، فالمرحلة المقبلة أخطر من ذلك بكثير.
الانتقاد/ العدد 1351 ـ 19 حزيران/ يونيو 2009