ارشيف من :آراء وتحليلات

الحكم في السعودية...مستقبل غامض


الحكم في السعودية...مستقبل غامض

لم يؤد قرار الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز بشأن تعيين أخية الاصغر مقرن وليا لولي العهد وملكاً مستقبلياً بشرط شبه تعجيزي هو شغور منصبي ولاية العهد والملك في آن معاً، لم يؤد الا الى مزيد من الغموض بشأن مستقبل الحكم في المملكة، والى مزيد من الاهتزاز داخل العائلة الحاكمة. والاهتزاز الجديد تمظهر في عدة امور منها تزامن اشراف وزير الداخلية محمد بن نايف مباشرة على مناورة للقوات الخاصة التابعة لوزارته والمتخصصة في مكافحة الارهاب مع قرار الملك، حيث ان بعض التحليلات ربطت بين قرار تعيين مقرن ووصول الرئيس الاميركي باراك اوباما الى الرياض في زيارة اسبغت عليها اهمية استثنائية بسبب التأزم غير المسبوق في العلاقات بين البلدين.


أما علاقة محمد بن بنايف بالزيارة فهو ما قيل عن احتمال طرح اسمه من قبل الرئيس الاميركي كشخص مفضل لمنصب الملك، في ظل ما تحدثت عنه سابقا اكثر من صحيفة اميركية وايضا تقارير استخبارية تحدثت عن ترجيح اميركي لكفة بن نايف بسبب "كفاءته في خدمة السياسة الاميركية". ولعل هذه التدريبات المتصلة بمكافحة الارهاب وحضور بن نايف شخصيا لها ومخاطبته من قبل ضابط الامن في افتتاح المناورة بانك "يا صاحب السمو على رأس هرم الأمن الذي يستظل الناس به"، اشارة الى الوظيفة الرئيسة التي تحتاجها الادارة الاميركية الان من السعودية في مكافحة الارهاب التكفيري بعد انتهاء مهمة هؤلاء في سوريا وتحول خطرهم الى وجهات مختلفة بما فيها وجهة من احضرهم الى سوريا. كما ان الامر الملكي الاخير بخصوص السعوديين الذين يقاتلون في الخارج والعقوبات التي توعدهم بها ثم لائحة المنظمات الارهابية التي صدرت في المملكة مؤخراً، توضح ما هو المطلوب من المملكة في المرحلة المقبلة.

وفي هذا السياق يدرج اسم بن نايف كشخص مفضل بصفته متخصصا في هذا الامر، ثم برز الترجيح من خلال ما ذكر عن توليه الاشراف على الملف السوري بعد اقصاء بندر بن سلطان عنه. هذه الحيثيات دفعت ببعض التفسيرات الى القول ان الملك قد يكون محرجاً فيما لو طلب منه الرئيس الاميركي مباشرة خلال الزيارة ان تكون الاولوية لمحمد بن نايف في اي ترتيبات تتعلق بانتقال السلطة، مع التذكير طبعا بان زيارة بن نايف الى واشنطن منتصف شباط الماضي ومباحثاته مع المسؤولين الاميركيين عززت الهواجس داخل الاسرة بان الرجل يطبخ شيئا في الخفاء مع الاميركيين.

وعليه فقد جاء قرار الملك بخصوص الامير مقرن منطويا على عدة نتائج، منها مثلا تجاوز الحرج مع اوباما لان الملك عبد الله اخذ الامور الى مكان باوجه عدة. فمن جهة أخّر الى اجل عملية رفع الابناء الى مستوى المنافسة على العرش وابقاه مقتصرا على ابناء عبد العزيز، ومن جهة ثانية فتح الباب بطريقة غير مباشرة امام ابنه الامير متعب كي يرفع اولا الى منصب النائب الثاني لرئيس الوزراء ثم ولي العهد ثم كرسي الحكم، باعتبار ان مقرن بسبب شخصيته القريبة من الملك عبد الله وسماعه لكلمته حد الطاعة العمياء يحتاج فقط الى تنفيذ ما قد يطلبه منه الملك بحسب اكثر من تقرير تناول سيرة الامير مقرن.

وهذا السيناريو استفاض في شرحه المغرد السعودي "مجتهد" على حسابه على "تويتر" عندما قدم ما لديه من معلومات خاصة بهذا الشان استقرت على ان رئيس الديوان الملكي خالد التويجري هو الداهية الذي صاغ هذه المعادلة، مراهناً على تداعيات مرض ولي العهد سلمان بن عبد العزيز الذي دفعه تلقائياً الى تمرير تعيين مقرن ولياً له، بعدما مرر تعيينه نائباً ثانياً، ومن ثم بحسب مجتهد_ وهو شخصية من داخل العائلة كما يقال لكنها تنتحل هذا الاسم _ سيحال قريباً الى الامير سلمان قرار إعفائه هو شخصياً بطلب منه بسبب المرض وايضا التوصية بتعيين مقرن ولياً للعهد، وهذا يمهّد الطريق تماماً لتعيين متعب بن عبدالله "وليّاً لولي العهد"، أو يقرر الملك إعفاء نفسه وتعيين مقرن ملكاً ومتعب وليّاً للعهد.


الحكم في السعودية...مستقبل غامض

ويبدو ان الملك عبد الله من خلال انشائه منصب "ولي ولي العهد" قد فتح الباب امام تجاوزات لالية انتقال السلطة. فبعدما انشأ هيئة البيعة باعتبارها المؤسسة التي تفصل بهذا الامر، فها هو يسقطها بالضربة القاضية من خلال سلسلة قرارات تجاوز فيها هذه الالية، وآخرها تعيين الامر مقرن، حيث أكد اكثر من مصدر أن القرار فردي وليس تشاوريا خلافاً لما ورد في الامر الملكي من أن "ثلاثة ارباع اعضاء الهيئة وافقوا على مقرن". فبحسب مجتهد فان هيئة البيعة لم تجتمع، بل لم تُدع إلى الاجتماع، وان بعض أعضائها لم يستشاروا ولم يعلموا بالخبر إلا من الإعلام، ما يعني أن الملك يكرر تجاوز الهيئة بعدما تجاوزها مع كل من سلطان ثم سلمان، كما انه اسقط الاجماع على تعيين شقيقه احمد بن عبد العزيز نائبا ثانيا لرئيس الوزراء وعين بدلا منه الامير مقرن، وها هو الان يكرر الامر نفسه بتعيينه "ولياً لولي العهد".

ولعل في تغريدة الامير خالد بن طلال بن عبد العزيز وقوله "انه قبيل زيارة اوباما فان المرشد الاعلى للديوان اي التويجري يقوم باتصالات خارجية مكثفة لتوثيق امر لكي يثبّت ما يضمن به ومن معه مصالحهم الشخصية ومستقبلهم السياسي"، مختتماً بعبارة "التفاصيل المخزية لاحقاً ان شاء الله"، كل ذلك يدل على ان ما جرى تجاوز لهيئة البيعة، وبالتالي يكون الملك قد فتح مسارا آخر لآلية تسلم السلطة تتجاوز الهيئة الى آلية شخصية بعدما أرسى الملك عبد الله سوابق بهذا الامر. لكن الضجة بقيت كامنة بسبب ان كل القرارات الانفة الذكر تعلقت بابناء الملك عبد العزيز، واما مع اقتراب افول عهد هؤلاء الابناء وانتقال المنافسة الى اولاد العم، وتعدد الطامحين، وربط كل واحد منهم فرسه في عاصمة غربية مؤثرة، فان خطة التويجري قد لا تكتمل على قاعدة ان هارون الرشيد كان مستعدا لقتل ابنه اذا نافسه على العرش، فكيف اذا كانت المنافسة بين ابناء العم أو الاخوة.

في الخلاصة الملك عبد الله التسعيني في وضع صحي يتراجع تباعاً وبدت ترجمة ذلك واضحة من خلال أنبوب الأوكسجين الذي كان موصولاً بأنفه في بداية اجتماعه بأوباما في روضة خريم إلى الشمال الشرقي من العاصمة الرياض، كما ان ولي العهد عمليا هو خارج الخدمة بسبب الزهايمر، ما يعني ان الايام لن تطول قبل ان يتبلور مشهد سعودي جديد، واختبار قدر المعادلة الحالية على الصمود، ام ان هذا افضل ما يمكن ان يقوم به الملك على ان تترك آلية نقل الخلافة الى الجيل الثاني لمعادلات على الارجح ان العامل الخارجي هو الاكثر قدرة على التاثير فيها.


-----------------------------------

الامير مقرن: بين السياسة والاستخبارات تقاطعات خارجية وداخلية


الامير مقرن(70 عاماً)، عين في اعلى منصب في فبراير/ شباط 2013 نائبا ثانيا لرئيس الوزراء السعودي، وهو منصب جرت العادة بشكل غير رسمي على اعتبار من يشغله المرشح التالي للصعود إلى موقع ولاية العهد.
وقالت برقية دبلوماسية أمريكية تعود لعام 2009 نشرها موقع ويكيليكس: إن الأمير مقرن يحظى بثقة الملك عبد الله الذي كلفه بقيادة الجهود السعودية لحل الصراعات في أفغانستان وباكستان وأرسله لبناء علاقات مع سوريا.

وتدرب الأمير مقرن وتخرج في الأكاديمية الملكية البريطانية لسلاح الجو وهو طيار حربي سابق. وكان أميرا لمنطقة حائل لما يقرب من 20 عاما قبل تعيينه أميرا للمدينة المنورة في عام 1999.
وشغل منصب رئيس المخابرات في الفترة بين عامي 2005 و2012 وهي فترة امتلأت بتحديات عندما أخمدت المملكة هجمات مسلحة لمتشددي القاعدة.

وافترض المحللون لسنوات كثيرة أن الأمير مقرن مستبعد من سدة الحكم في المملكة لأن والدته يمنية وليس ابنا لأم تنتمي لإحدى العائلات القوية في منطقة نجد حيث تقع العاصمة الرياض.

وتعزز هذا الانطباع في صيف عام 2012 عندما عين ابن أخيه الأمير بندر بن سلطان رئيسا للمخابرات بدلا منه وهو أيضا ممن يتبنون موقفا متشددا وله علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة.

لكن دبلوماسيين قالوا: إنه استمر في حضور اجتماعات رفيعة المستوى بين الملك عبد الله وكبار الزعماء الأجانب الذين يزورون المملكة ما يشير إلى أنه أحد أفراد الحلقة الداخلية الضيقة في الأسرة السعودية الحاكمة التي تحدد السياسة الخارجية، وأضافوا: إن مقرن صديق مقرب لابن أخيه بندر بن سلطان رئيس المخابرات الحالي الذي خدم معه في الجيش.

ويشير بعض المقربين من الأسرة السعودية الى أن الأمير مقرن هو الذي أعاد الأمير بندر للمواقع العليا في الحكومة بعد أن اختفى لسنوات من الحياة العامة.
2014-04-01