ارشيف من :آراء وتحليلات

باختصار: مجرم وعدالة!

باختصار: مجرم وعدالة!
كتب محمد يونس
خفايا وأسرار اختفاء مجرم الحرب رادوفان كرادزيتش بعد أكثر من عشر سنوات من توقف الحرب في البوسنة والهرسك، ثم عملية اعتقاله فجأة تثير تحقيق العدالة ولكن مع أطراف آخرين استثمروا وتاجروا بدماء الأبرياء من البشر دونما رادع أو حسيب.
فبعد اعتقال هذا المجرم تبين أن الذي قام بتوفير الحماية لكرادزيتش وحال دون اعتقاله هو نفسه من كان يزعم أنه ألقى بكل ثقله لوقف الحرب ومجازر الابادة في البوسنة والهرسك، وهو ذاته من نصب نفسه محاميا عن حقوق الانسان ومدعيا عاما لتحقيق العدالة الانسانية في العالم، نعم إنها الولايات المتحدة الأميركية التي كانت خلال الحرب المجزرة ترعد وتهدد مجرميها بتقديمهم للعدالة والاقتصاص منهم، وإذ بالأمر ينتهي بها إلى إعطاء الحصانة وتقديم الحماية عبر مخابراتها المركزية لأفظع مجرم عرفته نهايات القرن الماضي، وبتمعن أكثر في القضية يتبين أن مخابرات كل من فرنسا وبريطانيا قد شاركتا في توفير هذه الحصانة أيضا.
وكل ذلك يؤكد حقيقة مفادها أن اشتعال الحرب في البلقان (كغيرها من الحروب المعاصرة) واستمرارها وشمولها التطهير العرقي والديني، وتقديم مسلمي أوروبا أضاحي على مذابح الكراهية والعنصرية، إنما كان بتدبير وتخطيط مهندسي الإجرام في أقبية البيوت السوداء.
بعد هذه المعطيات ألا يصبح لازما محاكمة الرأس المدبر لكل المآسي التي يعاني منها العالم، وعدم الاكتفاء بفُتات المجرمين الذين قادهم غباؤهم ليكونوا أدوات بأيدي أولئك دون أن يفقهوا أنهم سيتركون لجدران الظلام والعتمة لتنهش ما تبقى من أعمارهم.
فتحقيق العدالة يقتضي قطع دابر الفتنة من منبعها، ولكن عن أي عدالة نتحدث عندما يكون القاضي والمدعي العام والمجرم والحارس وغالبا المدعى عليه جهة واحدة.
الانتقاد/ العدد 1287 ـ 5 آب/ أغسطس 2008
2008-08-05