ارشيف من :آراء وتحليلات
هل يكون جمعة رئيس تونس القادم؟

عاد رئيس الحكومة التونسية المهدي جمعة من واشنطن بعد زيارة عمل أداها إلى الولايات المتحدة الأميركية بدعوة من الرئيس الأميركي باراك أوباما قدمها وزير الخارجية جون كيري أثناء زيارته الأخيرة لتونس. واتفق عدد من الخبراء والمحللين على أن ما تم الإعلان عنه حول نتائج هذه الزيارة، ما هو إلا الجزء الظاهر من جبل جليد هذه الزيارة التي أثارت ضجة في الخضراء وانقسم الشارع التونسي بشأنها.
لقد وعد الأميركيون جمعة بـ"بذل ما في وسعهم" من أجل "مساعدة تونس" في مسار الإنتقال الديمقراطي الذي تنتهجه. كما وعدوا بهبات مالية واستثمارات عجز جمعة عن جلبها من دول الخليج، ما خلف يومها استياءً في الشارع التونسي الذي كان يأمل في مساعدة "الأشقاء" لبلاده لتخطي الوضع الإقتصادي الصعب الذي تعيشه.
حث على المواصلة
ويؤكد أغلبية المحللين أن اللقاء الثنائي الذي جمع أوباما بجمعة بعيدا عن عدسات المصورين وعيون الرقباء من الإعلاميين وبدون حضور مسؤولي البلدين، هو الأهم في هذه الزيارة. حيث يؤكد هؤلاء أن الرئيس الأميركي طلب من جمعة، الذي يرأس حكومة تكنوقراط مؤقتة في تونس، المواصلة والترشح إلى الإنتخابات الرئاسية القادمة التي ستجرى في تونس نهاية هذا العام.
ويشدد هؤلاء على أن الإدارة الأميركية وعدت جمعة بدعمه إذا قرر المواصلة والضرب بتفاهمات خارطة الطريق التونسية عرض الحائط. حيث تقتضي هذه الخارطة التي أنجزها الإتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات الراعية للحوار الوطني في تونس، أن جمعة وفريقه الحكومي ليس بإمكانهم الترشح للإنتخابات القادمة وذلك لضمان حياديتها، وخاصة أن تجربة حكومة الباجي قائد السبسي التي نظمت انتخابات 23 أكتوبر 2011 التي أوصلت حركة النهضة للحكم كانت ناجحة باعتبار أن قائد السبسي منع على نفسه وعلى فريقه الحكومي الترشح إلى تلك الإنتخابات.

استطلاعات الرأي
ولعل ما يدعم هذه الفرضية هو دخول المهدي جمعة في استطلاعات الرأي التي تجرى في تونس والمتعلقة بالإنتخابات الرئاسية القادمة. لقد كان رئيس الحكومة، وإلى وقت قريب، غائبا تماما عن نيات التصويت ولا يذكر اسمه ضمن الرؤساء المفترضين باعتبار قواعد اللعبة التي تفرض عليه عدم الترشح. وتقتصر المؤسسات التي تجري استطلاعات الرأي على الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة الأسبق ورئيس حزب نداء تونس، وحمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة المستقيل والمنصف المرزوقي رئيس الجمهورية وأسماء أخرى ترأس بعض الأحزاب السياسية.
الحسم في الدور الثاني
لكن في الآونة الأخيرة وخصوصا بعد عودة جمعة من واشنطن بات اسمه متداولا في استطلاعات الرأي وجاء ثانيا في نوايا التصويت بعد الباجي قائد السبسي، وقبل حمادي الجبالي، رئيس الحكومة الأسبق وأمين عام حركة النهضة المستقيل. وبالتالي فإن هناك شبهة تحوم حول جهة تسعى لإقحام جمعة في لعبة الصراع على عرش قرطاج وخاصة أن المؤسسات التي تجري سبر الآراء في تونس متهمة بأنها موجهة وتساهم في صناعة الرأي العام.
ويشار إلى أن الباجي قائد السبسي يحافظ، منذ مغادرته لرئاسة الحكومة وتسليم مقاليد الحكم لحركة النهضة بعد تنظيمه لانتخابات شفافة وناجحة، على الصدارة في نوايا تصويت التونسيين. لكن عرش وزير خارجية بورقيبة الأسبق بات مهددا على ما يبدو من المهدي جمعة خاصة أن الإستطلاع الأخير لم يتضمن فارقا كبيرا في نسب التصويت بين الرجلين، وهو ما يعني عمليا أن كليهما سيمران إلى الدور الثاني في حال أجريت انتخابات رئاسية في هذا الوقت وقد يحسم جمعة الأمر لمصلحته في الدور الثاني إذا تمكن من نيل أصوات النهضويين (الإسلاميين) الراغبين في إسقاط السبسي، واخترق المعسكر الحداثي المقابل من خلال نيل أصوات الراغبين في رئيس جمهورية شاب يقطع تماما مع الماضي الذي يمثله قائد السبسي.
لذلك فإن أصواتا عديدة في تونس ارتفعت محذرة من مغبة تدخل واشنطن في الشأن التونسي من باب المساعدات الإقتصادية، وخاصة أن من البديهيات المسلّم بها أن الولايات المتحدة لا تقدم هباتها بصورة مجانية.