ارشيف من :آراء وتحليلات
جعجع لا يحق له الترشح للرئاسة

بوقاحة نادرة تقدم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بترشحه لرئاسة الجمهورية اللبنانية، ما اثار ردة فعل وموجة من الاستنكارات لدى قسم كبير من الرأي العام اللبناني ولا سيما اهالي الضحايا الذين "انصفهم" المجلس العدلي باحكامه في الجرائم التي ثبت قضائياً ارتكابه لها، وابرزها جريمتا اغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي، وقتل ابن رئيس الجمهورية السابق كميل شمعون، داني، وبعض من افراد عائلته. ناهيك عن الكثير من الجرائم التي اتهم فيها ولم يحاكم عليها، ابرزها قتل ابن رئيس الجمهورية السابق سليمان فرنجية، طوني فرنجية، وعائلته.
وكان جعجع قد استفاد من قانون العفو رقم 84 في 26/8/1991، مستثنياً الجرائم التي احيلت الى المجلس العدلي. كما استفاد سمير جعجع من قانون العفو العام رقم 677 تاريخ 19/7/2005 والذي قضى بمنح "عفو عام عن جميع الجرائم موضوع الأحكام الصادرة عن المجلس العدلي رقم 5/95/ و 2/97 و 2/99 و4/96 والحكم الصادر عن محكمة جنايات بيروت رقم 380/96. كما قضى بوقف الملاحقات وإسقاط جميع مذكرات التوقيف وإلقاء القبض المتعلقة بالقضايا المشمولة بهذا القانون، وإسقاط جميع الأحكام الصادرة وكافة العقوبات".
سؤال يطرح نفسه: هل يحق لسمير جعجع الترشح اصلاً الى الانتخابات الرئاسية؟
للجواب عن هذا السؤال، لا بد من مراجعة ما كتبه بعض الاختصاصيين ومنهم علوان امن الدين، وتعداد الأسباب التي تحرم جعجع من هذا الحق:
1 - يرى الدكتور ابراهيم شيحا في كتابه "الوسيط في القانون الاداري" وعند حديثه عن الشروط الواجب توافرها في المرشح المتقدم الى الوظيفة العامة انه "يجب ان يكون المرشح للوظائف العامة محمود السيرة حسن السمعة. ويقصد بحسن السمعة او السيرة ان لا يكون الشخص قد اشتهر عنه فعله السوء... وقد ابان المشرع اللبناني عن الحالات التي تتنافى مع حسن السيرة وهي الحكم على الشخص بجناية او محاولة الجناية (الشروع) من اي نوع كانت، او بجنحة شائنة او محاولة جنحة شائنة." ويضيف الدكتور شيحا ان هذا الشرط هو شرط اساسي لبقاء الشخص في الوظيفة، ويشير الى ان المشرع اللبناني متشدد جداً (عكس المشرع المصري) في هذا الشأن اذ انه لم "يُجز تولي الوظائف لمن سبق الحكم عليهم في احدى الجرائم... حتى ولو اعيد اليهم اعتبارهم او استفادوا من العفو" .

2 - منح العفو بعد صدور حكم مبرم في الدعاوى ضد جعجع من قبل قضاة مشهود لهم والبعض منهم يشارك في المحكمة الدولية .
3 - ان العفو العام الذي صدر كان وفقاً لمفاعيل احكام المجلس العدلي، لجهة وقف تنفيذ العقوبة فقط، وليس محواً لاحكامه او طبيعة الجرم، وهو ما يقربه من العفو الخاص اكثر منه الى العفو العام حيث ان الاخير، وبحسب طبيعته، لا يضفي الصفة الجرمية على الفعل أصلا .
4 - ان قانوني العفو الصادرين رقم 677/2005 و678/2005، هما "تسوية سياسية طائفية محدودة"، جاءت من باب المقايضة بين جعجع ومحكومي احداث الضنية وعنجر، ولم تكن على اساس وطني شامل كما كان الحال في قانون العفو لعام 1991. ويعيد الكثيرون الامر الى فوز فريق سياسي موالٍ لطرفي المُعفى عنهم باغلبية مقاعد مجلس النواب حينها.
5 - يقول احد فقهاء القانون الدستوري إنه "كان من الممكن التقدم بطعن على قانون العفو هذا من قبل بعض النواب، ولكن هناك سببان منعا هذا الطعن، السبب الاول التعطيل العمدي للمجلس الدستوري وقتها، والثاني الرغبة في التهدئة السياسية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري".
6 -بالاستناد الى ما ذكرناه عن الدكتور ابراهيم شيحا، اذا كان الشخص المتقدم الى سلك الخدمة العامة، الى ايه فئة، ذا سلوك سيئ ام شائن، وان حصل على عفو، لا يحق له التوظيف، فكيف هو الحال في رئيس الجمهورية الذي يعتبر رمز وحدة البلاد وواجهتها وممثلها؟
7- المواصفات التي وضعها البطريرك بشارة الراعي عن تاريخ المرشح وقدرته على لم الشمل تتنافى مع سلوك جعجع ومؤهلاته .
8 – الرئيس سليم الحص ادان ترشح جعجع لان الرئيس يجب ان يكون رائدا وقدوة وهما صفتان لا تمتان الى جعجع بصلة .
9 – اثار البعض مسألة العفو والتسامح والمصالحة بعد الحروب الاهلية وهي إشكالية واقعية لكن هذا الموضوع يطرح قضية مهمة وهي الذاكرة . الجماعات قد تسامح من اجل السلم الأهلي وتوقف الملاحقات القضائية لكنها لا تنسى الإساءة والجرم خاصة بالنسبة للأشخاص المدانين قضائيا بموجب اثباتات واحكام قانونية دامغة .
10- سقط جعجع مسبقا قبل ان تجرى الانتخابات الرئاسية فعليا لانه ساقط من ضمير الناس وهو مدان من قبل شرائح واسعة من الرأي العام . فقد نجح باستفزاز قسم كبير من الشعب وايقظ الذاكرة الوطنية لعدد كبير من ضحايا –الحرب ضحاياه - كما نجح بان يكون رمز الانقسام والفتنة والتحريض بينما المطلوب من الرئيس ان يكون قدوة في الوحدة الوطنية والإنقاذ من شبح الحروب الاهلية .
11 – علاقة جعجع مع إسرائيل تسقط عنه حق المواطنية وليس فقط حق الترشح الى اعلى مسؤولية في لبنان .
انطلاقاً مما سبق، يرى الكثيرون عدم أحقية سمير جعجع في التقدم اصلاً بطلب ترشحه الى مجلس النواب عن مقعد رئيس الجمهورية، فأحكام القضاء المبرمة لا يلغيها قانون العفو ، كما ان المفاعيل الاجتماعية للجريمة حاضرة وفاعلة ولو تم الغاء بعض مكوناتها القانونية.