ارشيف من :أخبار لبنانية

رعب من قدرة نصر الله على أسر "الكيان بأسره":

رعب من قدرة نصر الله على أسر "الكيان بأسره":
كتب محمد الحسيني
لم يكد ينقضي عام واحد على توقف العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، حتى اعترف العدو بأن ما حدث كان حرباً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتحظى بتغطية وتنسيق كاملين من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من الغربيين والأعراب، كما أقر رئيس حكومة العدو إيهود أولمرت في شهادته أمام لجنة "الياهو فينوغراد" التي كلفت بالتحقيق في أسباب السقوط الإسرائيلي، ان ما جرى كان عملية عسكرية مخططاً لها قبل أربعة أشهر من وقوعها، ولم تكن مجرد رد فعل ميداني على عملية أسر الجنديين التي نفذتها المقاومة الإسلامية.
ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم لم تتوقف سلسلة الاعترافات الإسرائيلية التي أقرّت بأن ما جرى خلال تموز وبعده لا يعد فشلاً متعلقاً بأداء عسكري ـ عملاني فحسب، بل يعكس هزيمة نكراء كاملة وشاملة، بكل نواحيها العسكرية والسياسية والأمنية، وبكل تأثيراتها وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي وصلت إلى أن تمس بجوهر وكيان وجود "دولة إسرائيل".
كان لمفاجآت نصر الله، التي تمثلت في الأداء البطولي لمقاومي "الوعد الصادق"، وجه آخر انعكس في أداء جيش "الأسطورة" الإسرائيلي، الذي لم يُصنّف في خانة الإخفاق الميداني، بقدر ما دخل في تردداته إلى عمق العقيدة القتالية لدى جنود "أولمرت وبيريتس"، بحيث وصف أحد ضباط العدو حال قواته في جنوب لبنان بالقول: "كنا كالإوز في حقل الرماية"، في حين خلص ضابط التثقيف في الجيش إيلان هراري، في اجتماع مع كبار القادة العسكريين إلى نتيجة حاسمة مفادها: "الجيش خسر الحرب في لبنان". وهذه الخلاصة تعبّر بحد ذاتها عن تساؤلات كبيرة ارتسمت لدى أفراد المجتمع الإسرائيلي ككل، وهو مجتمع محارب بواقعه وتجهيزه وتثقيفه، وعبارة عن "دولة لجيش وليس جيشاً لدولة"، وبقيت هذه التساؤلات إلى اليوم دون أجوبة، وأكبرها: لماذا خضنا هذه الحرب؟
ساعات قليلة مرّت بعد عملية "الوعد الصادق" أعلنت بعدها حكومة "إيهود أولمرت" بكامل طاقمها تارة وبمجلسها الأمني المصغر تارة أخرى، وبلغة صارمة وحازمة، سلة أهداف لا تراجع عنها، يقود تنفيذها إلى استعادة الجنديين الأسيرين والقضاء على حزب الله وسلاحه، وتمهيد الطريق أمام تنفيذ القرار 1559، والبدء بالترتيبات اللازمة لإقامة علاقة مع لبنان بحكومته التي يترأسها رجل "حكيم" يدعى فؤاد السنيورة "الصديق لحلفائنا الأميركيين".
ويمكن تظهير الأجندة الإسرائيلية للحرب بثلاثة استهدافات استراتيجية، لا تنفك في مضامينها عن الرؤية الأميركية الشاملة للمنطقة، وهو ما عبّرت عنه وزيرة الخارجية غوندوليزا رايس التي رأت في حرب تموز 2006 مخاضاً لولادة "الشرق الأوسط الجديد"، وهذه الاستهدافات هي:
* توجيه ضربة قاصمة للمقاومة وإنهاء وجودها العسكري في جنوب لبنان.
* استعادة قدرة الردع لدى الجيش الإسرائيلي التي تآكلت تدريجياً بعد دحره عن معظم الأراضي اللبنانية المحتلة في أيار من العام 2000.
* إضعاف دور سوريا وإيران وصولاً إلى فك ارتباطهما مع قوى المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة.
وخرج وزير الحرب عمير بيريتس ليعلن أن "إسرائيل ستلقّن حزب الله درساً وستقضي على قوته إلى الأبد"، وليطلق رئيس هيئة الأركان في جيش الاحتلال دان حالوتس، بعد أن أتم بيع أسهمه في البورصة، تهديده "بإعادة لبنان عشرين سنة إلى الوراء"، أما وزير الأمن شاؤول موفاز فاعتبر عملية الأسر "فرصة للانقضاض على حزب الله والانتهاء من خطر الصواريخ"، وكرت سبحة "العنتريات"، التي وجدت صداها خوفاً لدى بعض الداخل في لبنان وحبوراً لدى البعض الآخر، وتسليماً لدى معظم العرب.
هذا على مستوى الموقف الرسمي، أما على المستوى الميداني فقد ظهرت وقائع أخرى، لم تعكس فقط الفشل الذريع في عدم القدرة على تحقيق أهداف الحرب خلال 33 يوماً من العدوان الهمجي المتواصل، بل كشفت حقيقة أدخلت الرعب في قلب كل صهيوني، مفادها أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أثبت قدرته، قولاً وفعلاً، على تنفيذ ما يتوعد به، وأن يهزم مرة أخرى، "الدولة" التي عجزت الدول العربية مجتمعة على تحقيق شبه نصر عليها ولو بشكل جزئي، على مدى سنوات الصراع العربي ـ الإسرائيلي، فكيف بهذا الرجل الذي أعلن النصر الالهي الاستراتيجي القاطع؟!.
ظن مجتمع الحرب الإسرائيلي أن الخوض في مستنقع جنوب لبنان سيكون نزهة فعلية هذه المرّة، وعكست وسائل إعلام العدو مواقف القوة والغلبة على حزب الله "العدو الأكبر لإسرائيل"، وهي مواقف أعلنها ايهود أولمرت في "خطاب الحرب" في الكنيست في 17 تموز، متسلّحاً بتقارير ميدانية أعلنها جيشه تحدثت عن دقة الإصابات التي ألحقتها الغارات المتلاحقة بقوة حزب الله، وتدمير معظم منصات الصواريخ البعيدة المدى، ليقطع لشعبه وعداً بقرب إعادة الجنديين الأسيرين وتحقيق النصر.
لم يكن أولمرت يظن أنه سيعود إلى الكنيست مرة أخرى بعد أسابيع ليعتذر لشعبه ويعلن تحمّله المسؤولية شخصياً عن الهزيمة، حيث سرعان ما تلاشت مواقف القوة لتحل مكانها تبريرات الخسارة، حيث إن العبرة جاءت في العاقبة والنتائج التي خلصت إليها عشرات التقديرات ومئات التقارير الميدانية وآلاف الصفحات التي امتلأت بشهادات الجنود الذين "لم يكونوا يقاتلون رجالاً بل ظلالاً وأشباحاً"، ولم يصدقوا أن الفرصة ستسنح لهم بالعودة سالمين من أتون النار في بنت جبيل وعيناتا وعيتا الشعب ومارون الراس... وصار أولمرت وخطابه سخرية "إسرائيل".
تلاشت "عنتريات" أولمرت وفريق حربه، وانقلبت عبارات القوة إلى عبارات الأسى والقلق على ما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة إذا ما استمرت "المغامرة المعتوهة" "ومقامرة أولمرت بمصير إسرائيل"، ولم ينفع قصف الجسور والمنازل ومحطات الوقود وقطع الطرقات وارتكاب المجازر وإطلاق التهديدات في تحقيق أي هدف، ولم تنفع الفيتوات الأميركية والتجييش الدولي ضد حزب الله والتواطؤ الداخلي في كسر إرادة المقاومة، وبقي سيف نصر الله أصدق إنباءً من كتب "إسرائيل" والولايات المتحدة، ليرسو على مجموعة من الوقائع الميدانية شكلت العناوين الرئيسية للهزيمة:
* ارتباك في إصدار التعليمات للقوات ومن ثم تغييرها بشكل مضطرب.
* غياب التنسيق بين القطعات العسكرية من جهة وبينها وبين القيادة من جهة ثانية.
* عدم قدرة الجيش على تحقيق تقدم ولو بضع مئات من الأمتار عبر الحدود.
* الفشل الذريع في منع إطلاق الصواريخ التي تساقطت بغزارة في عمق الكيان الصهيوني.
* تكبّد الجيش خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
* مستوى متدنّ ومهام متباينة لأجهزة الاستخبارات العسكرية.
* تعثّر الجيش في أداء أصغر المهمات في ظل غياب التصميم والمبادرة والحس بالمسؤولية.
* سقوط مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي جهدت واشنطن لتنفيذه في المنطقة.
* بدء الانهيارات في الهيكليات العسكرية والأمنية والمستوى السياسي في الكيان الصهيوني.
* حالة إحباط عامة في المجتمع الإسرائيلي الذي وجد نفسه مكشوفاً أمام حزب الله.
لم تتبدّ مظاهر الهزيمة في الفشل على مستوى تحقيق الأهداف، بل أيضاً على مستوى إدارة الحرب، وخوضها، والاستعداد لها، وعلى مستوى عملية اتخاذ القرار، إلا أن أهم ما قضّ مضاجع الإسرائيليين، وحيّر كبار العقول الاستخبارية والأمنية الإسرائيلية والأميركية والغربية عموماً، وما زال حتى اليوم، هو أن كل تكنولوجيات العالم وأجهزة استخبارات الكون لم تستطع أن تكتشف أين كان السيد حسن نصر الله؟ وكيف كان يطّلع على سير المعارك ويقود العمليات ويوجّه المجاهدين؟ وكيف كان يخوض الحرب بصورته وصوته وحضوره الذي زاد من ثقل الهزيمة، وكان بحد ذاته أحد أقوى المفاجآت.
الانتقاد/ العدد1287 ـ 5 آب/ أغسطس 2008
2008-08-06