ارشيف من :آراء وتحليلات

تونس: حركة النهضة ترفض إقصاء رموز النظام السابق

تونس: حركة النهضة ترفض إقصاء رموز النظام السابق

أجهض المجلس الوطني التأسيسي في تونس بنداً في القانون الإنتخابي الجديد، تقدمت به إحدى الكتل النيابية، يمنع من تقلد مناصب عليا في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل (حزب بن علي)، وفي الدولة التونسية قبل الثورة، من الترشح في الإنتخابات الرئاسية والنيابية التي ستجرى نهاية هذا العام. وكان مشروع قانون مماثل أطلقت عليه تسمية "قانون تحصين الثورة" قد تم وأده في المهد خلال السنة الماضية بعد اغتيال النائب القومي العروبي محمد البراهمي وخروج شريحة واسعة من التونسيين إلى الشارع للمطالبة باستقالة حكومة الترويكا التي تقودها حركة النهضة.

ولعل اللافت هو أن كتلة حركة النهضة الإسلامية صوتت ضد إقصاء رموز النظام السابق من الحياة السياسية، وهو ما مثل مفاجأة للرأي العام في تونس. ونتيجة لهذا التصويت فقد باتت حركة النهضة تتعرض لانتقادات واسعة من قبل فئة من التونسيين فيما يبدو أنها أصبحت تحوز على رضا فئة أخرى كانت إلى وقت غير بعيد من أشرس معارضي الحركة.

حلفاء الأمس القريب

لقد أثارت الحركة بهذا التصويت المفاجئ استياء حلفائها في الترويكا التي خرجت لتوها من الحكم بعد استقالة حكومة علي العريض، وخصوصا حزب الرئيس المرزوقي، المؤتمر من أجل الجمهورية والأحزاب المشتقة منه بعد تفككه، على غرار حركة وفاء التي يتزعمها المحامي عبد الرؤوف العيادي وحزب الإقلاع الذي أسسه النائب الطاهر هميلة، وحزب التيار الديمقراطي بزعامة الأمين العام السابق لحزب المؤتمر ووزير الإصلاح الإداري في حكومة حمادي الجبالي محمد عبو. ويتهم هؤلاء حركة النهضة بالتخلي عن مبادئ الثورة والإنخراط في الحسابات السياسية الضيقة مع الدساترة (أبناء حزب الدستور الذي حكم مع بورقيبة وبن علي) الذين اكتسحوا حركة نداء تونس التي يتزعمها وزير خارجية بورقيبة و رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي، وذلك بعد حل حزبهم إثر إنهيار نظام بن علي.

ويتهم منتقدو حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي رئيس الحركة بأنه أبرم صفقة سياسية مع رئيس حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي خلال لقاء باريس الشهير الذي جمع بين الرجلين في ذروة الأزمة السياسية التي شهدتها تونس، وكسر الحاجز النفسي بين الدساترة والإسلاميين وأذاب جبل جليد أحقاد امتدت لعقود. ويعتبر المنتقدون لهذه "المصالحة التاريخية" أن ما تم هو تطبيع مع الدساترة وتنكر وخيانة للثورة من قبل حركة النهضة ومباركة منها لعودة النظام القديم الذي ثار عليه التونسيون منذ ثلاث سنوات.

تونس: حركة النهضة ترفض إقصاء رموز النظام السابق


براغماتية

أما المباركون لما قامت به حركة النهضة من رفض لإقصاء رموز النظام السابق من الحياة السياسية، فيؤكدون على أن الحركة الإسلامية اكتسبت نضجا سياسيا يؤهلها لأن تقدر جيدا المصلحة الوطنية. فدهاء قادتها واستطلاعات الرأي جعلتها تدرك أنها فقدت الكثير من شعبيتها نتيجة لأخطائها في الحكم، مقابل ارتفاع شعبية حركة نداء تونس ورئيسها قائد السبسي الذي يحتل المرتبة الأولى في نوايا التصويت للإنتخابات الرئاسية. فالدساترة (يمين وسط) والإسلاميون يمثلون الأغلبية في البلاد في حين أن وزن قوى اليسار (ومنها حزبا المؤتمر والتكتل من أجل العمل والحريات حليفي حركة النهضة) غير ذي بال، وبالتالي فإن مواصلة حركة النهضة التحالف مع هذه الأحزاب لن يحقق لها المنفعة المرجوة في قادم المواعيد السياسية.

كما يفسر البعض هذا التصويت المفاجئ لحركة النهضة ضد إقصاء رموز النظام السابق بالمتغيرات الإقليمية، أي ما يحصل في المحيط العربي. فهزيمة المشروع الإخواني في سوريا والإطاحة بهم في مصر والتجديد لبوتفليقة في الجزائر كلها عوامل جعلت حركة النهضة معزولة وأضعف مما كانت عليه قبل عزل الرئيس المصري محمد مرسي وقبل أن يحسم الجيش العربي السوري في الآونة الأخيرة مع المتمردين، وقبل أن يتراءى للجزائريين المواصلة مع ساكن المرادية. فأمن تونس ليس فقط في الجزائر أو طرابلس الغرب (الجارتان) وإنما أيضا في دمشق  فما يحصل هناك يؤثر بشكل لافت على الأوضاع هنا في أرض الخضراء لأن المنطقة شديدة الإرتباط ببعضها البعض.
2014-05-12