ارشيف من :أخبار عالمية
الحرب الأفغانية واللاعب الهندي الجديد

كتب عقيل الشيخ حسين
بعد تاريخ من الصراع تخللته حروب ثلاث كبرى بين الهند وباكستان، على خلفيات الانفصال وكشمير والبنغال، واحتقنت في أجوائه روائح التجارب النووية والصاروخية، انطلقت، في العام 2004، عملية سلام واعدة بين البلدين، ولكن دون أن يتخلى كل طرف عن شكوكه بالآخر وعن سعيه المكشوف وغير المكشوف لشطبه من دائرة التأثير الإقليمي في شبه القارة الهندية. وقد كان الغزو الأميركي/ الأطلسي دور أكيد في دفع العملية السلمية إلى الأمام لأسباب منها رغبة الإدارة الأميركية في تخفيف الضغط عن النظام الباكستاني بعد أن استجاب الرئيس برويز مشرف لجميع الإملاءات الأميركية المتعلقة بمنح تسهيلات عسكرية ولوجستية لقوات الأطلسي في الأراضي الباكستانية. وإذا كانت الهند قد قبضت ثمن القبول بالتقارب عبر فتور باكستان في دعمها لقضية كشمير، فإنها طمحت أيضاً، من خلال ذلك، إلى تبوؤ موقع الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة في آسيا، في ظل المخاوف الأميركية/ الهندية المشتركة إزاء تعاظم القوة الصينية. وكل ذلك بالتوازي مع أمل نيودلهي، برغم التقارب مع إسلام آباد، بانحسار موقع باكستان الإقليمي في المدى المتوسط، من خلال الرهان على أن أميركا ستنتهي، برغم أهمية الدور الذي يؤديه حليفها الباكستاني في الحرب الأفغانية، وبعد أن تكون قد حسمت الحرب لمصلحتها، إلى إعطاء الأولوية للتحالف مع الهند لما تتمتع به من قدرات متنوعة لا تضاهيها قدرات باكستان.
لكن الرياح الأفغانية هبت في وجهة معاكسة للمشاريع الاستراتيجية. إذ بعد سبع سنوات طويلة جداً من غزو كان من المفترض ألا يفضي، بفضل ضخامة الهراوة الأميركية/ الأطلسية، إلى حرب فعلية، أو أن ينتهي بحرب سرعان ما تحسم لمصلحة الغزاة، وصل الأميركيون وحلفاؤهم إلى الباب المسدود، ليس فقط أمام العجز عن الحسم، بل أيضاً أمام تحوّل تصاعد المقاومة الأفغانية إلى مشكلة حقيقية تضع الحلف الأطلسي على حافة التفكك، وتربك النظام الباكستاني، وتمتد بتداعياتها، فيما يبدو، إلى الهند أيضاً.
فأمام اشتداد حدة المقاومة الأفغانية، وتحرير العديد من المناطق الجنوبية، وانتقال العمليات العسكرية إلى المناطق الشرقية، اضطر الأميركيون مؤخراً، في ظل تلكؤ بلدان الأطلسي وتهديد بعضها بالانسحاب من الحرب، إلى إرسال حاملة الطائرات أبراهام لنكولن إلى مياه بحر العرب لإسناد العمليات القتالية في أفغانستان. كما مددوا فترة الخدمة لآلاف المقاتلين من جنود البحرية الموجودين في أفغانستان إلى جانب 70 ألف جندي أميركي وأطلسي. لكن كل هذا الجهد ظل عقيماً ودفع الأميركيين إلى المزيد من التعويل على باكستان في أداء دور أكثر حسماً في الحرب الأفغانية. ويبدو أن الأميركيين قد عيل صبرهم إزاء سياسة الحياد التي اعتمدتها الحكومة الباكستانية الجديدة برئاسة رضا جيلاني، والتي توجت مفاوضات جرت مع طالبان ورجال القبائل وأسفرت عن وقف الصدامات بينهم وبين القوات الباكستانية. وقد حدث مؤخراً أن قصفت الطائرات الأميركية "عن طريق الخطأ، كما يقولون" جنوداً باكستانيين وأوقعت في صفوفهم عشرات القتلى والجرحى.
وتأتي هذه التطورات على خلفية محاولات واشنطن الحثيثة لدفع باكستان إلى ملء الفراغ الناشئ عن هزائم القوات الأميركية/ الأطلسية في أفغانستان، والتهويل عليها بتهم التغاضي عن أنشطة طالبان داخل الأراضي الباكستانية، وعدم الكفاية في مراقبة الحدود، وحتى بقيام أجهزة المخابرات الباكستانية بإدارة عمليات عسكرية وتفجيرات داخل أفغانستان. وغالباً ما يضطلع الرئيس الأفغاني، حامد قرضاي، بأعباء الحملات الإعلامية الموجهة ضد باكستان. وقد لوحظ ذلك، بوجه خاص، مع التفجير الذي تعرضت له السفارة الهندية في كابل، في 7 تموز/ يوليو المنصرم والذي أوقع قتلى بالعشرات بينهم موظفون ومسؤولون كبار في السفارة. واللافت أن السلطات الأفغانية قد وجهت بشكل مباشر تهمة المسؤولية عن التفجير إلى الاستخبارات الباكستانية. لكن الأكثر إثارة للانتباه هو تطابق الموقفين الهندي والأفغاني الرسمي من هذا التفجير، حيث أكد كبار المسؤولين الهنود خطورته البالغة على عملية السلام الجارية بين البلدين.
وإذا كان من الصحيح أن باكستان وطالبان قد كذبتا التهم الموجهة إليهما بالمسؤولية عن التفجير، فإن طالبان أعلنت أسفها لعدم قيامها به، وشددت على اعتبار الهند عدواً دائماً لها. كلام لا يمكن إلا أن يعجب الأوساط الباكستانية التي لم تنس الطبيعة المركزية للصراع مع الهند. وهنا، لا يمكن إغفال ما تعنيه سلاسل التفجيرات التي تعرضت لها مدن هندية أخيرة والتي تبنتها منظمات هندية إسلامية، ولا عودة الوضع إلى التفجر في كشمير، بالتوازي مع التقارب الملحوظ بين الحكومة الأفغانية والهند التي زارها قرضاي مؤخراً وحصل من حكومتها على وعد بمساعدات إضافية بقيمة 450 مليون دولار مخصصة بكاملها للحرب ضد الإرهاب.
هنالك إذاً ما يشبه تحالفاً قيد التشكل بين الهند والحكومة الأفغانية. وهذا الحلف لا يمكن إلا أن يكون نتاجاً لتدبير أميركي في دفع الضغط على باكستان إلى حدوده القصوى، الأمر الذي يتماشى بالتأكيد مع طموحات الهند الإقليمية، ويسمح لها بالرهان على استغلال الورطة الأميركية في أفغانستان بالتغلغل فيها على طريق تطويق باكستان وتصفية الحسابات معها. وبذلك، يصبح الغزو الأميركي الفاشل لأفغانستان تفصيلاً على هامش الصراع المحوري الذي قد يسعى الأميركيون إلى تجديده، في شبه القارة الهندية، بين عملاقيها النوويين، الهند وباكستان. ولكن هل تأخذ الرياح هذه المرة وجهة ملائمة لرهانات المراهنين، أم تنفلق التطورات عن مفاجآت غير محسوبة من النوع الذي بدأ الأميركيون بالاعتياد عليه في مسيرة هزائمهم المتلاحقة في عموم العالم الإسلامي؟
الانتقاد/ العدد 1288 ـ 8آب/أغسطس 2008
بعد تاريخ من الصراع تخللته حروب ثلاث كبرى بين الهند وباكستان، على خلفيات الانفصال وكشمير والبنغال، واحتقنت في أجوائه روائح التجارب النووية والصاروخية، انطلقت، في العام 2004، عملية سلام واعدة بين البلدين، ولكن دون أن يتخلى كل طرف عن شكوكه بالآخر وعن سعيه المكشوف وغير المكشوف لشطبه من دائرة التأثير الإقليمي في شبه القارة الهندية. وقد كان الغزو الأميركي/ الأطلسي دور أكيد في دفع العملية السلمية إلى الأمام لأسباب منها رغبة الإدارة الأميركية في تخفيف الضغط عن النظام الباكستاني بعد أن استجاب الرئيس برويز مشرف لجميع الإملاءات الأميركية المتعلقة بمنح تسهيلات عسكرية ولوجستية لقوات الأطلسي في الأراضي الباكستانية. وإذا كانت الهند قد قبضت ثمن القبول بالتقارب عبر فتور باكستان في دعمها لقضية كشمير، فإنها طمحت أيضاً، من خلال ذلك، إلى تبوؤ موقع الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة في آسيا، في ظل المخاوف الأميركية/ الهندية المشتركة إزاء تعاظم القوة الصينية. وكل ذلك بالتوازي مع أمل نيودلهي، برغم التقارب مع إسلام آباد، بانحسار موقع باكستان الإقليمي في المدى المتوسط، من خلال الرهان على أن أميركا ستنتهي، برغم أهمية الدور الذي يؤديه حليفها الباكستاني في الحرب الأفغانية، وبعد أن تكون قد حسمت الحرب لمصلحتها، إلى إعطاء الأولوية للتحالف مع الهند لما تتمتع به من قدرات متنوعة لا تضاهيها قدرات باكستان.
لكن الرياح الأفغانية هبت في وجهة معاكسة للمشاريع الاستراتيجية. إذ بعد سبع سنوات طويلة جداً من غزو كان من المفترض ألا يفضي، بفضل ضخامة الهراوة الأميركية/ الأطلسية، إلى حرب فعلية، أو أن ينتهي بحرب سرعان ما تحسم لمصلحة الغزاة، وصل الأميركيون وحلفاؤهم إلى الباب المسدود، ليس فقط أمام العجز عن الحسم، بل أيضاً أمام تحوّل تصاعد المقاومة الأفغانية إلى مشكلة حقيقية تضع الحلف الأطلسي على حافة التفكك، وتربك النظام الباكستاني، وتمتد بتداعياتها، فيما يبدو، إلى الهند أيضاً.
فأمام اشتداد حدة المقاومة الأفغانية، وتحرير العديد من المناطق الجنوبية، وانتقال العمليات العسكرية إلى المناطق الشرقية، اضطر الأميركيون مؤخراً، في ظل تلكؤ بلدان الأطلسي وتهديد بعضها بالانسحاب من الحرب، إلى إرسال حاملة الطائرات أبراهام لنكولن إلى مياه بحر العرب لإسناد العمليات القتالية في أفغانستان. كما مددوا فترة الخدمة لآلاف المقاتلين من جنود البحرية الموجودين في أفغانستان إلى جانب 70 ألف جندي أميركي وأطلسي. لكن كل هذا الجهد ظل عقيماً ودفع الأميركيين إلى المزيد من التعويل على باكستان في أداء دور أكثر حسماً في الحرب الأفغانية. ويبدو أن الأميركيين قد عيل صبرهم إزاء سياسة الحياد التي اعتمدتها الحكومة الباكستانية الجديدة برئاسة رضا جيلاني، والتي توجت مفاوضات جرت مع طالبان ورجال القبائل وأسفرت عن وقف الصدامات بينهم وبين القوات الباكستانية. وقد حدث مؤخراً أن قصفت الطائرات الأميركية "عن طريق الخطأ، كما يقولون" جنوداً باكستانيين وأوقعت في صفوفهم عشرات القتلى والجرحى.
وتأتي هذه التطورات على خلفية محاولات واشنطن الحثيثة لدفع باكستان إلى ملء الفراغ الناشئ عن هزائم القوات الأميركية/ الأطلسية في أفغانستان، والتهويل عليها بتهم التغاضي عن أنشطة طالبان داخل الأراضي الباكستانية، وعدم الكفاية في مراقبة الحدود، وحتى بقيام أجهزة المخابرات الباكستانية بإدارة عمليات عسكرية وتفجيرات داخل أفغانستان. وغالباً ما يضطلع الرئيس الأفغاني، حامد قرضاي، بأعباء الحملات الإعلامية الموجهة ضد باكستان. وقد لوحظ ذلك، بوجه خاص، مع التفجير الذي تعرضت له السفارة الهندية في كابل، في 7 تموز/ يوليو المنصرم والذي أوقع قتلى بالعشرات بينهم موظفون ومسؤولون كبار في السفارة. واللافت أن السلطات الأفغانية قد وجهت بشكل مباشر تهمة المسؤولية عن التفجير إلى الاستخبارات الباكستانية. لكن الأكثر إثارة للانتباه هو تطابق الموقفين الهندي والأفغاني الرسمي من هذا التفجير، حيث أكد كبار المسؤولين الهنود خطورته البالغة على عملية السلام الجارية بين البلدين.
وإذا كان من الصحيح أن باكستان وطالبان قد كذبتا التهم الموجهة إليهما بالمسؤولية عن التفجير، فإن طالبان أعلنت أسفها لعدم قيامها به، وشددت على اعتبار الهند عدواً دائماً لها. كلام لا يمكن إلا أن يعجب الأوساط الباكستانية التي لم تنس الطبيعة المركزية للصراع مع الهند. وهنا، لا يمكن إغفال ما تعنيه سلاسل التفجيرات التي تعرضت لها مدن هندية أخيرة والتي تبنتها منظمات هندية إسلامية، ولا عودة الوضع إلى التفجر في كشمير، بالتوازي مع التقارب الملحوظ بين الحكومة الأفغانية والهند التي زارها قرضاي مؤخراً وحصل من حكومتها على وعد بمساعدات إضافية بقيمة 450 مليون دولار مخصصة بكاملها للحرب ضد الإرهاب.
هنالك إذاً ما يشبه تحالفاً قيد التشكل بين الهند والحكومة الأفغانية. وهذا الحلف لا يمكن إلا أن يكون نتاجاً لتدبير أميركي في دفع الضغط على باكستان إلى حدوده القصوى، الأمر الذي يتماشى بالتأكيد مع طموحات الهند الإقليمية، ويسمح لها بالرهان على استغلال الورطة الأميركية في أفغانستان بالتغلغل فيها على طريق تطويق باكستان وتصفية الحسابات معها. وبذلك، يصبح الغزو الأميركي الفاشل لأفغانستان تفصيلاً على هامش الصراع المحوري الذي قد يسعى الأميركيون إلى تجديده، في شبه القارة الهندية، بين عملاقيها النوويين، الهند وباكستان. ولكن هل تأخذ الرياح هذه المرة وجهة ملائمة لرهانات المراهنين، أم تنفلق التطورات عن مفاجآت غير محسوبة من النوع الذي بدأ الأميركيون بالاعتياد عليه في مسيرة هزائمهم المتلاحقة في عموم العالم الإسلامي؟
الانتقاد/ العدد 1288 ـ 8آب/أغسطس 2008