ارشيف من :أخبار لبنانية

الحوار الوطني الموعود: المعارضة حريصة على نجاحه ولكن ماذا عن الفريق الآخر؟

الحوار الوطني الموعود: المعارضة حريصة على نجاحه ولكن ماذا عن الفريق الآخر؟
كتب ابراهيم صالح
بعد فترة قصيرة على دخوله قصر بعبدا رئيساً للجمهورية شرع الرئيس العماد ميشال سليمان في تهيئة كل ما يلزم لنصب طاولة الحوار الوطني في القصر الرئاسي، وألف لجنة تحضيرية وسمى لها مشرفاً هو مستشاره السياسي النائب السابق كاظم الخوري، ووضع تصوراً لمهمتها يقوم على:
ـ تحديد الشخصيات المدعوة للجلوس إلى هذه الطاولة مع الأخذ بالاعتبار فكرة زيادتهم وليس إنقاصهم.
ـ تحديد مواضيع الحوار على هذه الطاولة، وفي مقدمها موضوع الاستراتيجية الدفاعية الوطنية، اضافة إلى بند يتصل بآليات تنفيذ مقررات الحوار السابقة واللاحقة.
وبعد أيام قليلة بدأ المشرف على اللجنة ناظم الخوري جولة على أركان الحوار الوطني السابقين وشخصيات وقوى ومراجع أخرى ليضعها في أجواء توجهات رئيس الجمهورية في شأن الحوار الوطني، طالباً ملاحظاتها وتصوراتها لعمل اللجنة، والواضح أن رئيس الجمهورية جادّ في توفير كل ما من شأنه إنجاح نصب طاولة الحوار، وبالتالي توفير أسباب إنجاح اجتماعاتها وضمان تنفيذ بنودها.
وليس هذا بمستغرب، فطاولة الحوار الوطني المنشودة، هي الحلقة الثالثة الأساسية في اتفاق الدوحة بعد ملء الشغور الرئاسي الذي استمر نحو أشهر بعد خروج الرئيس إميل لحود من قصر بعبدا في نهاية ولايته، وبعد تأليف حكومة الوحدة الوطنية على النحو الذي حقق مطلب المعارضة بأن يكون في حوزتها الثلث الضامن.
وعليه فإن رئيس الجمهورية وحرصاً منه على استكمال بنود هذا الاتفاق المتكامل الذي يتعين أن يكون قاعدة أساسية لعملية إعادة تأسيس السلطة في لبنان بعد الأزمة التي عصفت بالبلاد من جراء النهج الخاطئ الذي انتهجه فريق 14 شباط بعدما قُدر له الإمساك بزمام السلطة والدولة، بدأ يؤدي دوره كاملاً في إطار الإعداد لهذه المهمة الجسيمة، التي يتوقع أن تبدأ (طاولة الحوار الوطني) في نهاية أيلول المقبل.
حتى الآن، ووفق كل المعطيات، يبدي الرئيس سليمان، قدراً من "الحكمة" في ادارة القضايا المصيرية، التي يتعين تنفيذها لإعادة البلاد إلى دائرة الوضع الطبيعي، وإعادة إحياء المؤسسات الدستورية وتفعيل دورها بعدما كان لزمرة 14 شباط دور أساسي في تعطيلها وشل فاعليتها، فهو أشرف على ولادة الحكومة وإن كانت ولادة قيصرية صعبة بفضل مناورات فريق 14 شباط التي أخّرت الولادة الطبيعية لهذه الحكومة نحو 5 أسابيع، وكانت له حسب المعلومات، كلمة أساسية في ولادة البيان الوزاري بعدما تعامل الفريق الشباطي نفسه مع لجنة اعداد البيان على أنها محطة لمحاصرة المقاومة، وجعل سلاحها مادة سجال ونزاع داخلي.
وقياساً على سلوك الفريق الشباطي الذي ومنذ أحداث أيار المنصرم وهو يحاول العرقلة واعتبار أن شيئاً لم يكن، ثم يخضع ويقبل مسجلاً على نفسه الهزيمة تلو الهزيمة، فإن السؤال بإلحاح هو ماذا عن مصير طاولة الحوار الوطني، واستطراداً هل من شأنها أن تطوي صفحة مأساوية وكارثية في تاريخ البلاد، وتفتح أخرى تؤسس لمرحلة توجد حلولاً عقلانية لكل القضايا الخلافية على نحو يحفظ عنصر القوة الأساس لهذا البلد، والتي صارت واضحة وجلية بعد حدث التحرير المدوي في عام 2000 وما قبله وبعده في محطات ومناسبات مختلفة.
يبدو واضحاً أن في طيات السؤال ومتنه تنطوي الإجابة القاطعة والحازمة، فإذا كان توجه الفريق الشباطي هو استغلال طاولة الحوار الوطني، على طريقة استغلاله للجنة صوغ البيان الوزاري والعمل على محاصرة المقاومة وإدخال سلاحها في بازار التنازع الداخلي وإعطائه صورة أنه هو علة العلل، فإن هذا الحوار الوطني لن يصل إلى نتيجة معينة، وستبقى البلاد في دوامة أزمتها الداخلية.
أما إذا سارت الأمور وفق ما طرحته وتقدمه قوى المعارضة مجتمعة من رؤى وتوجهات خصوصاً لجهة إقرار استراتيجية تحريرية ودفاعية فأبواب الأمور ستفتح على أفق آخر واعد ومبشر.
فقد سبق وأعلنت المعارضة على لسان أكثر من رمز وقطب فيها انفتاحها التام واستعدادها الكلي لمناقشة كل القضايا بروح منفتحة.
وحسب كل المعطيات فإن  المعارضة تسير بخطى الواثق من أن عجلة الأمور لن تعود إلى الوراء، وبالتالي فإن الحوار الوطني الموعود سينتج عنه "طحين حقيقي وليس جعجعة"، وثمة من يذهب إلى أبعد من ذلك ليقف عند موقف المتشائمين والخائفين من أن يكون مصير الحوار الوطني الموعود، كمصير الحوار الوطني الذي جرى في أروقة مجلس النواب قبل حرب تموز والتشاور الوطني الذي التأم بعد هذه الحرب، ويقول إن المقارنة لا تجوز الآن، فالمقدمات مختلفة وكذلك فإن النتائج ستكون أيضاً مختلفة.
فالحوار الوطني الذي تعد له بهمة ونشاط الرئاسة الأولى التي تأخذ مكانها ودورها الطبيعي، وسينعقد بعد معطيات ووقائع عنيدة فرضت نفسها على الواقع السياسي بعد أيار الماضي، فلم يعد جديداً القول إن موازين القوى لم تعد هي نفسها إذ اختلت بشكل طبيعي وتلقائي لمصلحة توجهات المعارضة الحاضرة والمستقبلية، وعناصر الرفد والدعم "التي غذت سياسياً ومعنوياً الفريق الشباطي في السابق وجعلته يصمد لبعض الوقت ويمعن في مكابرته ورفضه التجاوب مع مطلب المشاركة الذي رفعت لواءه المعارضة منذ شرعت في تحركها العملي قد تهاوت وتهافتت.
ربما من المبكر رسم خطوط عريضة لنتائج حوار ما زال في ظهر الغيب، لكن الثابت أن الفريق الشباطي لا يبدي حماسة تجاه هذا الحدث المرتقب، وسيعمل ضمناً كل ما باستطاعته الحيلولة دون أن يكون جسر عبور بين مرحلة وأخرى، لأنه يعلم علم اليقين أن أي صيغة حل وتسوية تنهي التأزم والانقسام الحاصل هي في غير مصلحته، خصوصاً بعدما أخفق في المهمة السياسية التي تنكّبها وتعهد بتنفيذها، وهي محاصرة المقاومة وتشويه دور سلاحها.
والأكيد أن هذا الفريق لن يتراجع عن هذه المهمة وإن كان يدرك تمام الإدراك أنها مهمة يائسة.. وبائسة، وأنه أعجز من أن يحققها.
الانتقاد/ العدد1288 ـ 8 آب/ أغسطس 2008
2008-08-07