ارشيف من :آراء وتحليلات
فاصلة: سكت المرشحون... واستمر البطريرك!!!

كتبت ليلى الرحباني
...وفتحت "حنفية البطريرك" على غاربها منذ اليوم الذي سبق الانتخابات، مهددًا ومتوعدًا الناخبين بشرٍّ عظيم سيغير وجه لبنان في حال فوز المعارضة، فيقول: "نحن اليوم أمام تهديد للكيان اللبناني ولهويتنا العربية. وهذا خطر يجب التنبّه له". ويكمل توصياته البطريركية بالدعوة الى "احباط المساعي الحثيثة التي ستغيّر، إذا نجحت، وجه بلدنا"، ويدعو الى اتخاذ المواقف الجريئة "التي تثبّت الهوية اللبنانية ليبقى لبنان وطن الحرية والقيم الأخلاقية والسيادة التامة والاستقلال الناجز".
لم يدرك البطريرك فداحة ما قام به أخلاقيًا ومسيحيًا ووطنيًا، بل وقانونيًا أيضًا، حيث كان القانون قد دعا الى فترة صمت سياسي يلتزم بها الجميع. وبالرغم من ذلك، وبالرغم من فوز فريقه السياسي في الانتخابات وخسارته الشخصية بانهزام لائحته الكسروانية أمام التيار الوطني الحر، استمر في خطابه المرتفع والمؤذي، بل استمر متفاخرًا بأنه سبب تدني النسب المسيحية التي نالتها المعارضة، وأطلق على بعض المرشحين اسم "السباع السبعة"، وشكك بمسيحية بعض المرشحين الآخرين.
وكان ينقص البطريرك خطب التبجيل ومواقف التأييد التي أتته من بعض الشخصيات ذات المصلحة المعروفة، والتي تريد التستر به، فقام بهجوم شخصي واستمر في تحريضه المهين ضد فئات كبيرة من المسيحيين واللبنانيين، وراح يطلق العبارات الجارحة المؤذية بحق ابناء الوطن وبعض المجموعات الطائفية الاخرى، في دعم مفضوح للمكيدة التي يدبرها البعض للحضّ على فتنة مسيحية شيعية بعدما زال خطر قيام فتنة شيعية سنية.
وعليه، إن بعض التساؤلات تطرح نفسها في ظل استمرار البطريرك في المعركة الانتخابية بعد انتهائها:
- اين البطريرك من تعاليم الكنيسة وتعاليم السيد المسيح الذي حذّر كل مسيحي من مغبة "اتهام أخيه باطلاً"؟
- هل يدرك البطريرك ان من يكتب له هذه الخطب التحريضية، يريد ادخال المسيحيين في معارك مع الشركاء في الوطن هم بغنى عنها؟ وهل يعي انه بات رأس حربة في حرب عبثية لا تفيد لبنان والمسيحيين بشيء؟
- هل يعلم أن تحذيره من تغيير هوية لبنان وسيادته في حال وصول المعارضة هو خرق للقوانين المرعية الاجراء التي تحظّر عمليات التخوين والتخويف، والتشهير والافتراء بحق المرشحين واللوائح والاحزاب؟
ثم ماذا يعني تصريح البطريرك خلال شكره الذين "وقفوا معه" ضد "اصحاب الأغراض المعروفة"، فما هي هذه الاغراض المعروفة؟ هل هي ازاحته للحلول محله في البطريركية؟ هل هي تهجير المسيحيين لتوطين الفلسطينيين مكانهم؟ بالتأكيد إن من وجه أسئلة للبطريرك هو بعيد كل البعد عن هذه الاغراض، فلماذا لا يوضح البطريرك ما هي هذه الاغراض التي يعرفها هو ويبدو انها خافية على المواطنين؟
- ثم هل يريد البطريرك أن يتكلم هو ما يريد، ويتهم من يتهم، ويخوّن ويحرّض، والمطلوب من الآخرين ممن طالهم التجريح والقدح والذمّ من قبله بأن يصمتوا وألا يدافعوا عن أنفسهم؟
- هل يريد البطريرك وكاتبو البيانات البطريركية ان يصمت الجميع ليتكلموا هم؟ ألم يقل السيد المسيح: اقرعوا الباب يفتح لكم؟ فكما قرعوا الأبواب، كان عليهم أن ينتظروا أن تفتح الابواب للاجابة، لكن أن يستنكروا ما يعتبرونه "التجرؤ في الرد على البطريرك"، فيبدو للعيان وكأن البطريرك ومحرضيه يعيشون في ظل العصور الوسطى حين كان انتقاد الكهنة من المحرمات، يستوجب الحكم والطرد والاتهام بالهرطقة.
- هل يعتقد البطريرك أن التهديد بالحرم الكبير، سيجعل المسيحيين يسكتون على الظلم والتخوين والتشهير بهم وبزعمائهم؟ ألم يكن يسوع المسيح ثائرًا على الظلم متمردًا؟ ألم يدعُ المسيح أبناء الرعية الى "الشهادة للحق"، وألا يخافوا "لانه هو معهم الى انقضاء الدهر"؟
نعم، هو السيد المسيح، هو من يطلب منا ألا نسكت للظلم، ألا نتهم الابرياء، وأن نقف متحدّين الضغوط والموت من أجل شهادتنا للحق... ونحن قبلنا هذه المهمة، وقبلنا هذه التعاليم عندما أصبحنا مسيحيين بالعماد..
"أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم، المسيح قد لبستم"... فكونوا على قدر تعاليمه وتواضعه وشهادته للحق، وتحديه للظلم.