ارشيف من :أخبار عالمية

حين يبدو أن استيلاءهم على الحكم بات أمراً مؤكداً

حين يبدو أن استيلاءهم على الحكم بات أمراً مؤكداً

عقيل الشيخ حسين
ما أشبه الليلة بالبارحة في الصومال! في أواسط العام 2006 تمكنت المحاكم الإسلامية من إخراج الصومال من خمسة عشر عاماً من الفوضى العارمة في ظل أمراء الحرب الذين ورثوا فترة التدخل الدولي ـ الأميركي الفاشل، وأدخلت البلاد في حالة من الأمن والاستقرار اللذين قل نظيرهما في العالم.

لكن فترة الهدوء هذه لم تدم طويلاً، إذ بعد ستة أشهر تعرضت البلاد لاجتياح واسع من قبل الجيش الأثيوبي بإيعاز أميركي. وإزاء المقاومة العنيفة التي قوبل بها الغزو الإثيوبي شُكلت قوة سلام أفريقية من 3400 رجل وأُرسلت إلى الصومال للاضطلاع بمهام من نوع تشكيل قوات شرطة صومالية وحماية بعض المرافق الحساسة في مقديشو العاصمة، كالقصر الجمهوري والمطار والمرفأ.

وإضافة إلى ذلك حظي الغزو الأثيوبي بدعم مباشر من قبل قوات الجو الأميركية الموجودة في أفريقيا، والتي قصفت الأراضي الصومالية أكثر من مرة وأوقعت مئات القتلى المدنيين، لكن كل ذلك لم ينفع في فرض سلطة الحكومة المؤقتة على البلاد. ومن أجل تدارك فشل التدخل الخارجي كان لا بد من من فتح حوار مع الأطراف المعتدلة في المحاكم، أسفر عن اتفاق رعته الأمم المتحدة بين الحكومة المؤقتة والمحاكم الإسلامية. وقد قضى الاتفاق بتوسيع البرلمان وتعديل الدستور تمهيداً لانتخابات عامة.

وقد شكل ذلك التطور إيذاناً بانشقاق المحاكم وبروز جبهتين تمثلت إحداهما بالمعتدلين الذين دخلوا في مفاوضات مع الحكومة المؤقتة في جيبوتي، في حين تمثلت الأخرى بعدد من الأطراف الإسلامية التي اجتمعت في العاصمة الأريترية أسمرة وقررت مواصلة العمل المسلح بهدف طرد الأثيوبيين وإسقاط الحكومة المؤقتة.

وفي حين انتخب شيخ شريف شيخ أحمد رئيساً للصومال في جيبوتي وانتقل مع أفراد حكومته إلى مقديشو، كانت المقاومة المسلحة التي خاضها تنظيم الشباب المجاهدين والحزب الإسلامي تلاحق الأثيوبيين وتجبرهم على الانسحاب إلى ما وراء الحدود.

وبعد طرد الأثيوبيين استمرت المقاومة في توجيه الضربات لكل من الحكومة المؤقتة وقوة السلام الأفريقية التي اعتبرتها طرفاً داعماً لتلك الحكومة. وبالنتيجة تمكنت من تحرير معظم الأراضي الصومالية، وقصفت القصر الجمهوري أكثر من مرة، ولم يبقَ للحكومة المؤقتة غير أجزاء ضئيلة من العاصمة مقديشو، إضافة إلى بلدة نائية على الحدود الأثيوبية.

وقد تصاعدت المواجهات منذ منتصف الشهر الماضي وسقط فيها عدد من أركان النظام الحاكم، خصوصاً في تفجير أدى إلى مقتل وزير الأمن في الحكومة المؤقتة. وفي هذه الظروف أعلن مجلس الأمن دعمه للحكومة المؤقتة، في حين قرر مجلس الوزراء الصومالي فرض حال الطوارىء التي علق عليها بعض المراقبين بأنها بلا معنى نظراً لانحسار سلطة الحكومة المؤقتة عن معظم الأراضي الصومالية. كما استغاث رئيس البرلمان بالأسرة الدولية وبالدول المجاورة مطالباً تقديم دعم عسكري في غضون أربع وعشرين ساعة.

وبرغم تأكيدات أثيوبيا أنها لن تتدخل إلا بتكليف دولي، تواترت الأنباء عن عبور قوات أثيوبية الحدود مع الصومال. كما شوهدت حشود عسكرية كينية على الحدود بين البلدين بالتوازي مع تصريحات أكدت أن كينيا لن تقف مكتوفة الأيدي، على أساس أن التطورات الأخيرة تشكل تهديداً للأمن الإقليمي. وعلى ذلك ردت مصادر المقاومة بأنها ستلقن الأثيوبيين درساً مشابهاً للدرس السابق. كما هددت بعبور الحدود الكينية وتدمير "المباني العالية" في عاصمتها نيروبي.

وعلى صعيد آخر استعرت الحرب الإعلامية وسط أحاديث عن مئات المقاتلين "الأجانب" الذين يقاتلون في صفوف من يسمونهم المتمردين، وعن صلة هؤلاء بتنظيم "القاعدة"، وكذلك عن إمدادات السلاح القادمة من أريتريا. وكل ذلك في محاولة للإيحاء بأن ما يجري في الصومال هو من صنع الخارج.

وفي إطار الحرب الإعلامية تتباكى المنظمات غير الحكومية والجمعيات المسماة إنسانية ومبعوثو الأمم المتحدة على أوضاع اللاجئين، وتشتكي العجز عن إيصال المساعدات بسبب تدهور الأوضاع الأمنية. كما تتحدث عن القصف والمساس بحقوق الإنسان وحالات الاغتصاب والجفاف، وتروي قصصاً درامية من نوع قصة تلك المرأة الضريرة التي سارت مشياً على قدميها مئات الكيلومترات لتلحق بابنها في كينيا. وكل ذلك  تلصق المسؤولية عنه بالمتمردين.
          

وفي محاولة للطمأنة صرح مبعوث الأمم المتحدة إلى الصومال أن أحداً لن يعترف بالمتمردين اذا تمكنوا من الاستيلاء على السلطة. وفي حين يبدو أن استيلاءهم على السلطة بات أمراً مؤكداً، تنصرف الأنظار نحو احتمالات المستقبل. هل يستفيد الأثيوبيون من الدرس القاسي الذي تعلموه من تدخلهم الفاشل في الصومال؟ وهل تتعظ كينيا مما حل بالأثيوبيين؟ أغلب الظن أن هذين البلدين سيرسلان أبناءهما للقتال في الصومال نيابة عن الأميركيين، لقاء حفنة من الدولارات، غير مباليين بتبعات ذلك وتداعياته على أوضاعهما الداخلية المتصدعة في الأساس.

2009-06-24