ارشيف من :أخبار عالمية

استنساخ تجربة بولندا في إيران.. فشلت

استنساخ تجربة بولندا في إيران.. فشلت


احتوت السلطات الإيرانية موجة الشغب الأمنية التي أعقبت فوز الرئيس الإيراني محمود أحمد نجاد في الانتخابات الرئاسية الجديدة، مع تحديد فترة زمنية لأداء اليمين الدستورية، ومع تمديد مهلة تلقي شكاوى المرشحين المهزومين في "المخالفات" لمدة خمسة أيام، والتأكيد على عدم حصول عمليات تزوير.

وبدا واضحاً.. التدخل الغربي.. ولا سيما "الأميركي ـ والبريطاني"، وكذلك بعض الإعلام العربي؛ لتأجيج الشارع الإيراني، وتأليب المواطنين على بعضهم البعض, من خلال توجيه محطات تلفزة وإذاعة ومواقع إلكترونية... الأمر الذي وتر العلاقات خصوصاً مع بريطانيا -التي تدير من أرضها بعض العمليات التخريبية- ما أدى إلى تبادل طرد دبلوماسيين مع إيران، فيما لا يزال الحذر يطبع الموقف الأميركي.. باستثناء "دموع التماسيح" التي تذرفها الإدارة الأميركية على ضحايا الصدامات -الذي لا يتجاوز عددهم العشرة- فيما قتلت القوات الأميركية أكثر من خمسين شخصاً بضربة واحدة وجهتها طائراتها التجسسية في باكستان.. أثناء جنازة مدنية، وهو الأمر الذي لم يحرك الدماء الباردة لا في الإدارة الأميركية.. ولا في الغرب عموماً، وكذلك بعض البكائين العرب على "الديمقراطية" التي يمنع عليها طرق أبواب ممالكهم وإمارتهم.

والاحتواء التدريجي الذي قامت به السلطات الإيرانية أربك أصحاب المخطط؛ الذين يحركون أدوات داخلية، ركبت موجة الاعتراض على نتائج الانتخابات التي أجريت، تحت عباءة الدستور والنظام والالتزام من جميع الأطراف بالعمل.. ضمن إطار نظام الثورة الإسلامية، وتحت سقف سلطة "ولاية الفقيه" والمرجعية العليا.

وظهر واضحاً.. أن أعداء إيران من إسرائيل إلى أميركا وبريطانيا.. ساءهم انكشاف بعض الأدوات، خصوصاً أنهم لجؤوا إلى إثارة البلبلة الداخلية؛ بهدف إسقاط النظام من الداخل، بعد الفشل في شن عدوان عسكري.. أخذاً بالاعتبار أن العدوان سيؤدي إلى  التصاق مراكز القوى, لمواجهة العدوان الخارجي من جهة، والاحتمال الكبير لوأد العدوان مع توسيع دائرة الصراع الذي سيطال عمق إسرائيل، ومصالح الذين سيشاركون في العدوان على أي بقعة في الكرة الأرضية.

وحسب المعطيات المتوافرة: فإن المخططين لضرب الاستقرار في إيران والإطاحة بنظامها -الذي يساند القضايا العربية، ولا سيما القضية الفلسطينية- أرادوا استلهام الانقلاب؛ الذي حدث في بولندا الاشتراكية عام 1980، مع استنساخ شخصية "ليخ فاونسا"، أو "ليش فاليسا" الذي كان مسؤولاً نقابياً في ميناء "غدانسك"، وتزويده بالشعارات والمطابع والأموال, عبر سفير عربي آنذاك.. أصبح اليوم رئيساً لدولته, عبر انقلاب أبيض؛ نتيجة تعاونه مع المخابرات الأميركية، ودوره المركزي في الانقلاب البولندي.

إلا أن الفشل الذي حصده أصحاب المخطط المراد تنفيذه في إيران؛ بحيث لم تتمكن قوى "الحركة المضادة" من تحقيق حلمها- أبرز خلافات داخل الأجنحة الأميركية.. جناح الانتهازيين كالخبيرين: مايكل روبين ودانيل بليتيكا في مواجهة جناح المتطرفين مثل: جون بولتون وكراوز مار، وهو الأمر الذي انعكس خلافاً بين الرئيس باراك أوباما ونائبه جوزف بايدن، الأول يرى: أن لا فرق مهم بين أطراف الأزمة الإيرانية، والثاني: يدعو إلى الإسراع في تنفيذ عدوان على إيران قبل أن تذهب الفرصة أدراج الرياح، أو على الأقل تشديد العقوبات عبر حصار دولي محكم.

ويرى بايدن: أن رئيسه أوباما ارتكب خطأ سياسياً كبيراً بتقليله من شأن الخلافات الإيرانية، داعياً إلى التحرك السريع من أجل استثمار هذه الخلافات.. تماماً مثلما حصل في بولندا؛ لأنه إذا لم تبادر أميركا إلى العمل، فإن القوى الإيرانية المعارضة ستشعر بالإحباط وتتراجع عن حركتها، ومن ثم إذا هدأت الشوارع فمن الصعب إشعالها مرة أخرى، فضلاً عن أن الولايات المتحدة ستخسر مصداقيتها أمام المعارضين الإيرانيين الذين لن يغفروا لواشنطن تخليها عنهم في اللحظة الموعودة.

وعبّر مجلس العلاقات الخارجية الأميركية عن هذا الاتجاه: بتحذيره من مغبة تكرار نموذج انكسار ما سمي بـ"الانتفاضة المجرية" عندما لم تتدخل واشنطن، ما سمح لموسكو بالتقدم وإجهاض التحرك.

فيما رأى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية عبر خبيره أنطوني كوروسيمان: بأن تقديم الوعود إلى المعارضة الإيرانية بالمساعدة علناً سيعرضها لفقدان مصداقيتها الوطنية، فضلاً عن أن ذلك يظهر الولايات المتحدة الأميركية لا يقبل في هذه المرحلة أي تورط يبدو مباشراً.

إلا أن هناك اعترافا أميركيا واضحا: بأن السلطات الإيرانية لم تستخدم العنف بإفراط ضد المتظاهرين، ما جعلها تحتوي الشارع وتتفادى المواجهة، لكن ذلك -وحسب الخبير مايكل ايزنشات- يوجب استمرار المظاهرات، والعمل على توسيعها ضمن نطاق محدد يتيح إرهاق النظام برئاسة نجاد؛ تمهيداً لصراع يدوم أطول فترة ممكنة، ويبدو أن ذلك في سياق ركيزة سياسية أوباما المعروفة بالقوة الهادئة.

الجدير بالذكر: أن إيران -ومنذ انتصار الثورة وما بعد وفاة الإمام الخميني- كان يحكمها على مدى عشرين عاماً ما يعرف اليوم بـ"الإصلاحيين" وهما هاشمي رافسنجاني لولايتين متتاليتين، ومحمد خاتمي الذي لقب بـ "غوربا تشيف إيران" لولايتين أيضاً.. قبل أن يفوز نجاد بالولاية الأولى.

واضح أن ما يعرف بالإصلاحيين -الذين كانوا يأملون بالعودة إلى السلطة- خذلهم الشعب الإيراني بأكثريته، مما يبدد حكمهم لفترة طويلة إن لم يكن للأبد..!!.

 المحرر الاقليمي + صحيفة "الثبات"

2009-06-26